للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقمهم هو ولكن أقامتهم العادة العربية التي جعلت قولهم أشد على بعض العرب من نضح النبل؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يؤمر بالفخر، ولم يبعث للهجاء، وقد ترك عادة العرب ونخوة الجاهلية في مثل ذلك، ولكنهم لم يتركوها في أول العهد بالرسالة، فكانوا يهيجون عليه شعراءهم، ويحرضون خطبائهم، ويقصدونه بالأقاويل يستطيلون بها عليه، فإذا أتاه الوفد منهم: كبني تميم حين جاءوه بشاعرهم الأقرع بن حابس١ وخطيبهم عطارد بن حاجب؛ ينادونه من وراء الحجرات: يا محمد، اخرج إلينا نفاخرك ونشاعرك، فإن مدحنا زين وذمنا شين. رماهم بمثل خطيبه ثابت بن قيس شماس، أو بأحد شعرائه عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك، فضغموا الشعراء والخطباء، وأبلغوا في الرد عليهم، تأييدًا من الله في المنافحة عن نبيه، وردا لكيدهم الذي يكيدون.

ولقد كانت السابقة في ذلك لحسان رضي الله عنه، وكان ذا لسان ما يسره به معقول من معد وكأنما زاد الله فيه زيادة ظاهرة؛ وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قل وروح القدس معك" فكان إذا أرسل لسانه لم يجدوا له دفعًا، وإذا مسهم بالضر لم يجد شعراؤهم نفعًا، وإذا وضع منهم لم يستطيعوا لما وضعه رفعًا:

إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق لأدنى سبقهم ثبع٢

لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم ... عند الدفاع، ولا يوهون ما رقعوا

أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ... إذا تفرقت الأهواء والشيع


١ وكان شاعرهم أيضًا الزبرقان بن بدر، وهو الذي فاخر بهم يومئذ، فلما أجابه حسان رضي الله عنه بأبياته العينية المشهورة؛ قال الأقرع بن حابس: وأبي؛ إن هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم لمؤتى له، لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا، وأصواتهم أعلى من أصواتنا. ثم أسلم القوم جميعًا!
٢ من أبيات حسان بن ثابت رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>