ومن ذوات القوافي في نوع من النظم سماه أهل البديع التخيير، وقالوا هو أن يأتي الشاعر ببيت يسوغ فيه أن يقفي بقواف مختلفة فيتخير منها قافية يرجحها على سائرها ويرسل بها البيت، فيكون ذلك دليلًا على حسن اختياره، وهو تعليل لا معنى له؛ لأن تمكن القافية شرط في الشعر، وسواء بعد ذلك ساغ أن يقفي بقواف أخرى أو كان أمره مقصورًا على القافية الواحدة.
وإذا تفقدت الشعر في أي عصوره لم تعدم أن تجد البيت أو الأبيات مما يقلب على القوافي، ولكن الحسن من ذلك قول ديك الجن، وأكثر من يرويه يسنده إلى أبي نواس، وهو:
قولي لطيفك ينثني ... عن مضجعي عند المنام
فعسى أنام فتنطفي ... نار تأجج في العظام
جسد تقلبه الأكـ ... ـف على فراش من دوام
فالقوافي التي يمكن أن ينشد بها هذا الشعر هي:
عند المنام الرقاد ... الهجوع الهجود الوسن
في العظام الفؤاد ... الضلوع الكبود البدن
من سقام قتاد ... دموع وقود حزن
من دوام معاد ... رجوع وجود ثمن
ولست أشك في أن البيت الأخير مقحم وليس من نظم صاحب الأبيات، وإنما ألحقوه بها توسعًا في الاحتمال، وزيادة من البيان في المثال؛ وقد وصلوا في هذا النوع إلى جعل البيت على سبع قواف، واطراد ذلك في قطعة واحدة، وإنما يحسن هذا متى اتفق استخراجه في شعر لا ما قصد إليه، فإن القصد هنا محمل التكلف، وهو يخرج الشعر إلى الصنعة فيسقط بها عن درجته قليلًا أو كثيرًا كما مر بك في الصناعات.