الحفظ، أو إغرابًا في التفكهة، أو مبالغة في التشدق والتقعير، كالقصيدة التي أوردها صاحب كتاب "إعلام الناس" ونسبها للأصمعي، وقصتها هناك فارجع إليها، وهي من تكاذيب الظرفاء وباطل المنحول.
ورأينا في كتاب "نفحة اليمن" للأنصاري أنه اجتمع في بلدة كلكتة سنة ١٢٢٢هـ برجل من العرب اسمه جواد ساباط وقد ارتد عن الإسلام وسمي ناثانائيل ساباط، وهو واحد فيما يرويه من المضحكات والعجائب، قال: وله نظم على أسلوب أبي الهميسع المنسوب إليه لفظ "حَجْلَنْجَع" وذكر هناك بعض شعره، ومنه قصيدة شينية يقول فيها:
بهشوا الخرباش عنه برخشوا ... طسعوا عن دارمي حين تشوا
وذلك يدل على أن أبا الهميسع كان متميزًا بهذه الطريقة، وقد أولع بها أهل التقعير من المتأخرين، ومنها قول بعضهم وقد ضبطناه بإملائه:
يا سائلي عن حبلطنج عجرفت ... عجرفتاه تمر كالعنبعلص
ولا نشك في أن هذه القافية في معارضة كلمة أبي الهميسع التي ذكرها الأنصاري وأول من ابتدأ هذه الطريقة من الفصحاء بشار بن برد أبو المحدثين كان يجيء بالكلمات اليسيرة التي لا حقيقة لها فيحشوا بها شعره ليتنادر بذلك، ومنه ما حكاه قال: مات حماري فرأيته في النوم فقلت له: لم مت؟ ألم أكن أحسن إليك؟ فقال:
سيدي خذ بي أتانا ... عند باب الأصبهاني
تيمتني ببنان ... وبدل قد شجاني
ولها خد أسيل ... مثل خد الشيفران
فقال له بعضهم: ما الشيفران؟ قال: ما يدريني؟ هذا من غريب الحمار، فإذا لقيته فاسأله! "ص٦٤ ج٣: الأغاني"، ثم استظرف الناس منه ذلك فمروا فيه حتى بلغ مبلغه في المتأخرين. والله أعلم.