للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استعجمت اللغة وطم الدخيل على المنطق؛ لأن الذين تولوا أمر التعريب يومئذ إنما هم الصناع والمحترفون لا الكتاب والمؤلفون؛ وبذلك صار الدخيل لغة في التاريخ بعد أن كان تاريخًا في اللغة.

وبقي من هذا الفصل كلام في كيفية التعريب، واختلاف الكتاب فيه، والحروف التي يطرد فيها الإبدال، والألفاظ التي عربها المتأخرون أو اصطلحوا على تأدية معانيها، ونحو ذلك مما لا تعلق له بالتاريخ؛ فأمسكنا عن إيراده وإن كان ثروة من الكلام.

أما الكتب التي وضعت في المعرب والدخيل فأجمعها كتاب "المعرّب" لأبي منصور الجواليقي المتوفى سنة ٥٣٩هـ و"شفاء الغليل" للخفاجي من أدباء القرن الحادي عشر، وكلاهما متداول مشهور.

المولد:

ويسمى المحدث أيضًا، ويراد به في الاصطلاح اللغوي: ما أحدثه المولدين الذين لا يحتج بألفاظهم١، وهم الطبقة التي وليت العرب في القيام على لغتهم من المتحضرين. وذلك يشبه الوضع في بادئ الرأي؛ لأنه استقلال بالمنطق عن الطريقة التي انتهجتها العرب، والعلماء لا يقبلون الوضع ولا يصححون الاستعمال إلا من عربي، لمكان السليقة واعتبار النحيزة، ولذا ميزوا بين الكلام فيما ينقلونه، فقالوا: هذه عربية، وهذه مولدة.

وشرط المولد عندهم أن لا يكون في استعمال أهل البادية ولا في العتيق من كلام العرب، وبهذا قال بعضهم إن "الغضارة" مولدة؛ لأنها من خزف وقصاع العرب من خشب.

وفي "أمالي ثعلب" ما يفهم منه أن المولد عنده كل لفظ كان عربي الأصل ثم غيرته العامة بنوع من أنواع التغيير، كأن يكون مهموزًا فتدع همزه، نحو: هَنَاك الطعام، في هنأك؛ أو تبدل الهمزة فيه نحو واخيته في آخيته؛ أو تسقطه، نحو: قفلت الباب، في أقفلته؛ أو لا يكون مهموزًا فتهمزه. نحو: رجل أعزب، في عَزَب؛ أو يكون مشددا فتخففه، نحو: فوهة النهر، في فوهته، أو يكون مخففا والعامة تشدده، نحو: الدخّان في الدخَان؛ أو يكون ساكنًا وتحركه، نحو: حلَقة الباب، وهي الحلْقة؛ أو تبدل فيه حرفًا بحرف نحو: الزمرد وهو بالذال؛ أو يكون مفتوحًا فيكسرونه، نحو الكتان وهو بالفتح؛ أو مكسورًا ويفتحونه، نحو: الدهليز وهو بالكسر، وهلم جرا.

وفي كتاب "أدب الكاتب" لابن قتيبة أمثلة كثيرة من هذه الأنواع.

الألفاظ الإسلامية:

وقد سبقت التوليد طبقة من الوضع العربي خرجت ببعض الكلام في الاشتقاق عن معاني الجاهلية، وذلك ما يسمونه بالألفاظ الإسلامية، وقال ابن فارس في أسبابها: كانت العرب في جاهليتها على إرث من إرث آبائهم في لغاتهم وآدابهم ونسائكهم وقرابينهم، فلما جاء الله جل ثناؤه


١ سنذكر في بحث شعر من يحتج به في اللغة ومن لا يحتج به.

<<  <  ج: ص:  >  >>