للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كان فيه سواد وبياض، وإذا وقع ذلك بأن أحد اللونين من صاحبه، وكان كل واحد منهما "علمًا" للآخر، وهذا المعنى من "غ ر م" ولكنه مقارب لتركيب "علم" كما ترى!

٣- إن المقاربة قد تكون بالمضارعة في الأصل الواحد بالحرفين، كسَحَل وصَهل "في معاني الصوت" فالصاد أخت السين، والهاء أخت الحاء، وسَحَل وزحر "في الصوت أيضًا" فالسين أخت الزاي، واللازم أخت الراء.

٤- إن من المضارعة نوعًا أحكم من هذا، وهو المضارعة بالأصول الثلاثية في الفعل "الفاء والعين واللام" نحو: عصر الشيء وأزله، إذا حبسه، قال: والعصر ضرب من الحبس، والعين أخت الهمزة والصاد أخت الزاي والراء أخت اللام، ونحو: الأزم "أي: المنع" والعصب "أي: الشد"، فالمعنيان متقاربان، والهمزة أخت العين، والزاي أخت الصاد، والميم أخت الباء، وقد أتى بأمثلة من ذلك ثم قال: وهذا موجود في أكثر الكلام، وإنما بقي من يثيره ويبحث عن مكنونه، بل من إذا وضح له وكشفت عنده حقيقته، أطاع طبعه له فوعاه، وهيهات ذلك مطلبًا، وعز فيهم مذهبًا.

٥- إثبات أن العرب يصورون اللفظ على هيئة المعنى، وهذا مذهب قد نبه عليه الخليل وسيبويه، قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة، فقالوا: "في العبارة عنه" صر، وتهموا في صوت البازي تقطيعًا فقالوا: صَرْصَر، وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على فَعَلان "بثلاث حركات" إنها تأتي للاضطراب والحركة، نحو: الغَلَيان، فقابلوا بتوالي الحركات في المثال توالي الحركات في الأفعال.

قال ابن جني: ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء على سمت ما حداه ومنهاج ما مثلاه؛ منها أن المصارد الرباعية المضعفة تأتي للتكرر والزعزعة: كالقلقلة والصلصلة إلخ؛ وإن الفَعَلى من المصادر والصفات تأتي للسرعة نحو: الجَمَزَى والوَقَلى إلخ؛ ومنها أنهم جعلوا تكرير العين في المثال دليلًا على تكرير الفعل، نحو: كسر وقطع إلخ؛ وإنما خصوا العين بذلك؛ لأنها أقوى حروف الفعل، إذ الفاء قد تحذف، نحو: عِدَة وزِنَة، أصلها وعْدَة، ووزنة، واللام كذلك، نحو يد وفم، أصلهما: يَدَو، وفَمَو، ولكن قلما تجد الحذف في العين؛ فلما كانت الأفعال دليلة المعاني، كرروا أقواها، وجعلوه دليلًا على قوة المعنى المحدث به، وكذلك يضعفون العين للمبالغة، نحو: أسد غَشَمْشَم، ويوم عَصَبْصَب، ونحو: اعْشَوْشَب المكان، واغْدَودن الشعر إلخ. قلنا: ومن هذا الباب ما ذكره ابن فارس أنه سمع من يثق به يقول إن العرب تشوه صورة اللفظ وتقبحها لمقابلة مثل ذلك في المعنى، كقولهم للبعيد ما بين الطرفين المفرط الطول: طِرِماح، وإنما أصله من الطّرح، وهو البعيد، لكنه لما أفرط طوله سمي طرماح؛ ومثل ذلك كثير في أبواب الصفات.

٦- ومن نظام الألفاظ بالمعاني أنهم يقابلوا الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث، فيجعلون كثيرًا أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر عنها كقولهم: خَضم، وقَضم، فالخضم لأكل الشيء الرطب، والقضم لأكل الشيء الصلب اليابس، فاختاروا الخاء من أجل رخاوتها للرطب، والقاف من أجل صلابتها لليابس، فحذوا بمسموع الأصوات على حذو مسموع الأحداث. ومن ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>