للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجيالهم وانثالوا أواخر على أوائل في مخالطة الأعاجم وملابستهم، فلأن ينزهوا عن العامية في جاهليتهم أولى.

وما زالت لغات العرب جارية على سنن الفطرة، معتبرة في حكم اللغات المستقلة -على ما يكون في طبقات كلامهم من الجزل والسخيف والمليح والحسن والقبيح والسميج والخفيف والثقيل، وذلك كما قال الجاحظ: كله عربي، وبكل قد تمادحوا وتعايبوا -ما زالت لغاتهم على ذلك حتى خالطوا السوقة في الأمصار الإسلامية، ونشأت أجيالهم على سماع العرب والعامة، فأخذوا من هؤلاء وهؤلاء، وكان ذلك سريعًا في ألسنتهم؛ ففسدت السليقة العربية فسادًا عربيا أحال منطقهم، وقد كانت مخالطتهم للأعاجم أبقى على فطرتهم؛ لأنهم إنما يعربون وينقلون عنهم، ولكنهم لا يحكونهم في المنطق، بخلاف أمرهم مع العامة؛ ولكل شيء آفة من جنسه؛ ولهذا رأينا الجاحظ يعد أقبح اللحن في زمنه لحن الأعاريب النازلين على طرق السابلة وبقرب مجامع الأسواق؛ ومن هنا دب الفساد في ألسنتهم بما يدور على مسامعهم من رطانة السوقة ولحن البلديين، ثم ما يتعاطونه من هذا الشأو في مخاطبتهم التي بها قوام المعاملات.

فلا سبيل إلى القول إذن بأن للعرب فصيحًا وعاميا، إلا بعد فشو هذا الفساد العربي في منطقهم منذ القرن الخامس، أما ما وراء ذلك في بادية العرب فلحن أو لغة لا أكثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>