للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: استظهروا به على العرب فإنهم يكفون عنكم١؛ وكان هذا أول كتاب وضع في المثالب. وقد رأينا في "الفهرست" لابن النديم أن أبا مخنف من أصحاب علي كرم الله وجهه، ألف كتابًا ضمنه بعض التراجم؛ فإذا صح هذا يكون أو مخنف أول من دون في ذلك؛ وكان هذا الرجل صاحب أخبار وأنساب، والأخبار عليه أغلب.

ويقال إن أول من ألف في السير عروة بن الزبير المتوفى سنة ٩٣هـ، وألف وهب بن منبه، صاحب الأخبار والقصص "وهو من أبناء الفرس المولدين باليمين وتوفي سنة ١١٦هـ عن تسعين سنة٢ فكان أول من دون هذه الموضوعات التاريخية، ووضع بعد ذلك محمد بن مسلم الزهري المتوفى سنة ١٢٤هـ كتابًا في المغازي، فكان أول من دونها؛ وكتب بعده محمد بن إسحاق المتوفى سنة ١٥١هـ كتابه الشهير في السيرة ومزجه بالخرافات والموضوعات على نحو ما فعل ابن منبه، وجعل كل ذلك عربيا، وعدوه أول من ألف في السيرة؛ لأنه وضع كتابه للمنصور؛ ولأنه اتسع فيه بما لم يحمل عن أحد غيره كما رأيت, ثم جاء ابن النطاح من الأخباريين في أواخر القرن الثاني، وهو أول من ألف في الدولة الإسلامية وأخبارها كتابًا. ثم وضع الخليل بن أحمد المتوفى سنة ١٦٠هـ "وقيل ١٧٠ و١٧٥هـ" كتاب "العين" في اللغة، وهو أول كتاب جمعت فيه. وجاء ابن الكلبي النسابة المتوفى سنة ٢٠٤هـ فدون أنساب العرب، وكان أول من فعل ذلك؛ ثم كان أبو عبيدة الراوية المتوفى سنة ٢١١هـ "وقارب المائة" فصنف في أيام العرب، وهو أول من صنف فيها.

هذا ما وقفنا عليه من الخبر في أولية التدوين في الأدب خاصة، دون ما استفاض بعد ذلك، ودون هنات تركناها وستأتي في أخبار الرواة، وكل تلك الكتب لا إسناد لها على نحو ما كان في كتب الحديث.

وأول من صنف الكتب مسندة في الحديث، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي المتوفى سنة ١٥٠هـ، ولذا عدوه أول من صنف الكتب في الحجاز، كما أن سعيد بن أبي عمرو أول من صنف بالعراق؛ لأنهم لا يعتبرون من الكتب إلا ما كان مسندًا؛ أما غير ذلك فلا يعدون به شأن ما كان


١ لم يؤلف أحد في مثالب العرب كعلان الشعوبي، وأصله من الفرس، وكان ينسخ في بيت الحكمة للرشيد والمأمون والبرامكة. فقد عمل كتاب "الميدان" في المثالب هتك فيه العرب وأظهر مثالبها وفضح أشهر قبائلها.
أما قبل علان هذا فقد كان كتاب زياد أول كتاب من نوعه، ثم ثنى عليه الهيثم بن عدي، وكان دعيا، فأراد أن يعر أهل الشرف تشفيًا منهم، ثم لما كان هشام بن عبد الملك بن مروان أمر النضر بن شميل الحميري وخالد بن سلمة المخزومي أن يبينا مثالب العرب ومناقبها، وقال لهما ولمن ضم إليهما: دعوا قريشا بما لها وما عليها، فوضعا كتابًا ليس فيه لقريش ذكر. وقد وضع قوم آخرون كأبي عبيدة وابن غرسية الأندلسي كتبًا في المثالب، ولكنهم لم يبلغوا من النسبة التاريخية مبلغ من ذكرنا، وسنأتي على شيء من هذا المعنى وتفصيل أسبابه في بعض الفصول من باب الشعر.
٢ قلت: اختلف الرواة في تحديد السنة التي توفي فيها وهب بن منبه، فقيل سنة ١١٠هـ، وقيل سنة ١١٤هـ وقيل سنة ١١٦هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>