الرشيد أيضًا. واليزيدي النحوي، كان يؤدب المأمون؛ والفراء كان يؤدب ولدى المأمون، وقيل إنه نهض يومًا لبعض حوائجه فابتدرا إلى نعله ليقدماها له، فتنازعا أيهما يقدمها, ثم اصطلحا على أن يقدم كل منهما واحدة، ورفع ذلك إلى المأمون فاستدعاه، فلما دخل عليه قال له: من أعز الناس؟ قال: لا أعرف أحدًا أعز من أمير المؤمنين! فقال المأمون: بل من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين حتى يرضى كل واحد منهما أن يقدم له فردًا! فقال: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما عن ذلك ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها، أو أكسر نفسيهما عن شريفة حرصا عليها إلخ.
وكان المفضل الضبي يؤدب الواثق؛ وألزم المتوكل يعقوب بن السكيت، المتوفى سنة ٢٤٤هـ تأديب ابنه المعتز، قالوا: فلما جلس عنده قال له: يا بني، بأي شيء يحب الأمير أن يبدأ من العلوم؟ قال: بالانصراف. ثم اختار المتوكل لتأديب المعتزل وأخيه المنتصر أبا جعفر بن ناصح، وأبا جعفر بن قادم، ومن ذلك العهد بدأ لقب المؤدب ينزل عن رتبته، إذ كانت العجمة قد فشت وضعفت النزعة العربية في الدولة، فجاء تاريخ الأدباء -كما قيل- بثعلب والمبرد الذين تخرج عليهما عبد الله بن المعتز، أما مؤدبه فكان أبا جعفر بن عمران الكوفي.
وقد ضربنا صفحًا عن أدباء المعلمين ممن دارسوا أولاد الخاصة والأمراء؛ لأن فيما قدمناه كفاية على برهان ما ذهبنا إليه.