الواحدة فيسقطهما جميعًا وينحلها شاعرًا آخر، وهكذا؛ ومما استجمع كل ذلك الاختلاف هذه القصيدة التي أولها:
تقول ابنة العبسي قد شبت بعدنا ... وكل امرئ بعد الشباب يشيب
ومنها شاهد النحاة المشهور:
"لعل أبي المغوار منك قريب"*
وهي مرثية رواها القالي في أماليه، وقال: قرأت على أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد هذه القصيدة في شعر كعب الغنوي ... إلى أن قال: وبعضهم يروي هذه القصيدة لكعب بن سعد الغنوي، وبعضهم يرويها بأسرها لسهم الغنوي، وبعضهم يروي شيئًا منها لسهم، وزاد أحمد بن يحيى عن أبي العالية في أولها بيتين. قال: وهؤلاء كلهم مختلفون في تقديم الأبيات وتأخيرها وزيادة الأبيات ونقصانها وفي تغيير الحروف في متن البيت وعجزه وصدره، ثم قال: والمرثي بهذه القصيدة يكنى أبا المغوار، واسمه هرم، وبعضهم يقول اسمه شبيب، ويحتج ببيت روي في هذه القصيدة:
"وأقام وخلى الظاعنين شبيب"
، وهذا البيت مصنوع والأول "كأنه أصح".
هذا، وقد بقي الكلام في انتحال الشعر ورواة الشعراء وشياطينهم وعمل أشعارهم وتدوينها وما إلى ذلك، وكلها مما يمكن أن يتصل نسبه بما نحن فيه من أمر الرواية، ولكنه بباب الشعر أقرب مشاكلة وأدنى اتصالًا، فأنزلناه ثمة في مراتبه، وألحقناه بتلك المطالب لفائدة طالبه.
* قلت: يستشهدون به على استعمال "لعل" حرف جر، وقد سها المؤلف عن إثبات ذلك في لغات العرب.