للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به فازدراه، وكان عليه عباءة خلقة فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباءة لا تكلمك، وإنما يكلمك من فيها!

ويجري في هذه الطريقة عبد الله بن عبد الحجر، وهو ممن وفدوا على معاوية أيضًا.

وهؤلاء ومن كان في طبقتهم: كزيد بن الكيس النمري، وابن لسان الحمرة، وصحارى العبدي، والمختار العدوي، وصبح الطائي، وميجور بن غيلان الضبي، هم رؤساء النسابين، وإليهم تنتهي الرواية، وكان علمهم مقصور على الجاهلية، وطرف من الإسلام.

وامتاز في أواخر هذه الطبقة، صعصعة بن صوحان، وكانت الرواية عند بعد الإسلام في أخبار العرب خاصة، وكان ابن عباس على سعة حفظه كثيرًا ما يسائله ويذاكره، وقد لقبه بباقر علم العرب.

واشتهر من قريش أربعة بأنهم رواة الناس للأشعار وعلماؤهم بالأنساب والأخبار، وكل ما كان قرشيا فهو عند العرب طبقة متميزة. والأربعة هم: مخرمة بن نوفل بن وهب بن عبد مناف، وأبو الجهم بن حذيفة، وحويطب بن عبد العزي، وعقيل بن أبي طالب.

وكانت قريش في الجاهلية دون غيرها من العرب تعاقب شعراءها القليلين إذا هجا بعضهم بعضًا؛ أما النسابون فكانوا يحمقون منهم من يروي المثالب ويقع في أعراض الناس؛ لأن ذلك هو الهجاء المنثور؛ وهم يريدون بهذا الإزراء أن يسقطوا شأن الرواية إذا شاعت له قالة السوء، حتى تخرج قبيلته مما يلحق بها انتسابه إليها واكتسابه على نفسه، أو تذهب الأحدوثة عنه بصدق الأحاديث منه اتقاء للذم بالذم، وقد كان عقيل واحد الأربعة في ذكر مثالب الناس، فعادوه لذلك وقالوا فيه وحمقوه، وسمعت ذلك منهم دهماء الناس فألف فيه بعض أعدائه الأحاديث وقرنوه فيها إلى الحمقى والمغمورين، فجعلوه بجانب أخيه علي بن أبي طالب, كعتبة بن أبي سفيان بجانب أخيه معاوية, ومعاوية بن مروان بجانب أخيه عبد الملك؛ وإنما كان عقيل رجلًا قد كف بصره، وله بعد لسانه ونسبه وأدبه وجوابه، فلما فضل نظراءه بهذه الخصال، صار لسانه بها أطول، وصار هو بذلك أجرأ وأشد صولة.

تلك هي الطبقة الأولى وما امتازت به، أما الطبقة الثانية فهي التي أخذت على هؤلاء، ونشأت منتصف القرن الأول، وكان أهلها مبدأ الرواية في الإسلام، وهم يتناولون أخبار العرب وأنسابهم وما حدث في الإسلام إلى العهد الذي هم فيه، ويضمون إلى ذلك أنساب الصحابة وطبقاتهم، وأشهرهم في أخبار العرب: قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة ١١٧هـ، والشعبي نديم عبد الملك بن مروان، وهو مفنن يمتاز عن سائر الرواة بذلك، حتى كانوا في القرن الثاني يلقبون من يجمع بين الفقه والحديث والشعر وأيام الناس والأنساب ونحوها "بشعبي زمانه"؛ وممن أطلقوا عليه هذا اللقب، القاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل، وكان على قضاء الكوفة١،


١ ونقل الجاحظ أن عبد الله بن شبرمة كان فقيهًا عالمًا قاضيًا، وكان راوية شاعرًا، وكان خطيبًا ناسبًا، وكان حاضر الجواب مفوهًا، ثم قال: وكان لاجتماع هذه الخصال فيه يشبه بالشعبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>