للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا الحديث يخرج في رأينا كل ما رووه مما حسبوه كان قرآنًا فرفع وبطلت تلاوته على قلة ذلك إن صح؛ لأنه يكون وحيًا، وليس كل وحي بقرآن، على أن ما ورد من ذلك ورد معه اضطرابهم فيه وضعف وزنه في الرواية، وأكبر ظنا أنها روايات متأخرة من محدثات الأمور، وأن في هذه المحدثات لما هو أشد منها وأجدى بشؤمه, ولو كان من تلك شيء في العهد الأول لرويت معها أقوال أخرى للأئمة الأثبات الذين كان إليهم المفزع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كانوا يومئذ متوافرين، وكلهم مقر لذلك قوي عليه؛ وكانوا يعلمون أن المراء في القرآن كفر وردة، وإن إنكار بعضه كإنكاره جملة، وإن أجمعوا على ما في مصحف عثمان وأعطوه بذل ألسنتهم في الشهادة، أي: قوتها، وما استطاعت من تصديق.

ونحن من جهتنا نمنع كل المنع، ولا نعبأ أن يقال إنه ذهب من القرآن شيء، وإن تأولوا لذلك وتمحلوا، وإن أسندوا الرواية إلى جبريل وميكائيل ونعتد ذلك السوأة الصلعاء التي لا يرحضها من جاء بها ولا يغسلها عن رأسه بعد قوله تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} أفترى باطلهم جاءه من فوقه إذن؟

ولا يتوهمن أحد أن نسبة بعض القول إلى الصحابة نص في أن ذلك القول الصحيح ألبتة، فإن الصحابة غير معصومين، وقد جاءت روايات صحيحة بها أخطأ فيه بعضهم من فهم أشياء من القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك العهد هو ما هو، ثم بما وَهِل عنه بعضهم١ مما تحدثوا من أحاديثه الشريفة، فأخطئوا في فهم ما سمعوا، ونقلنا في باب الرواية من تاريخ آداب العرب٢ أن بعضهم كان يرد على بعض فيما يشبه لهم أن الصواب خوف أن يكونوا قد وهموا.

وثبت أن عمر رضي الله عنه شك في حديث فاطمة بنت قيس، بل شك في حديث عمار بن ياسر في التيمم لخوف الوهم، مع أن عمارًا ممن لا يتهم بتعمد الكذب، ولا بالكذب وهلة، لصحبته وسابقته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك أذن له عمر في رواية هذا الحديث مع شكه هو في صحته.

على أن تلك الروايات القليلة٣ إن صحت أسانديها أو لم تصح فهي على ضعفها وقلتها مما لا حفل به؛ ما دام إلى جانبها إجماع الأمة وتظاهر الروايات الصحيحة وتواتر النقل والأداء على التوثيق.

وبعد فما تلك الردة التي كانت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والفتن التي تعاقبت والأحداث التي استفاضت، والانشقاق الذي ارفضت به عصا الإسلام, بأقل شأنًا ولا أضعف خطرًا من هذا كله ومثله معه من ضروب الأقاويل؛ حتى لا يقتحم مجترئ ولا يستهدف مفتر ولا يبالغ مبطل ولا ينحرف متأول، وحتى لا يروى من أشباه ذلك دقيق أو جليل؛ وإنما قياس الباطل بالعلم الحق، وقياس الظن باليقين الثقة، وأنت تعلم أن كل ما رووه لم يأت من قِبل الإجماع، وليس له من هذه الحجة مادة ولا


١ غلط أو نسي.
٢ الجزء الأول.
٣ فيما زعموه كان قرآنًا وبطلت تلاوته.

<<  <  ج: ص:  >  >>