للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك لم يتناول قراءته، بل تناول مسائل من أمر الاعتقاد فيه؛ ثم ظهر ابن شنبوذ المتوفى سنة ٢٢٨هـ، وكان رجلًا كثير اللحن قليل العلم، فيه سلامة وحمق وغفلة؛ فكان من أشهر القراء بالشواذ, ثم أخذ في سبيله أبو بكر العطار النحوي المتوفى سنة ٣٥٤هـ، وكان من أعرف الناس بالقراءات، وإنما أفسد عليه أمره أنه من أئمة نحاة الكوفيين، فخالف الإجماع وصنع في ذلك صنعًا كوفيا.... فاستخرج لقراءته وجوهًا من اللغة والمعنى، ومن ذلك قراءته في قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} ١ فإن هذا الأحمق قرأها "نُجُبا" فأزالها بذلك عن أحسن وجوه البيان العربي، ولم يبال ما صنع إذا هو قد انفرد بها على عادة الكوفيين في الرواية..... كما مر في باب الرواية في الجزء الأول من تاريخ آداب العرب٢.

أما بعد هؤلاء الرءوس, وبعد أن انطوت أيامهم، فإن القراءة قد استوثق أمرها ولم يعد للشاذ وجه ولا أقيم له وزن؛ إذ كانت قد دونت العلوم في اللغة العربية وفي القراءات, وأخمل الناس أهل الشواذ، والخلفاء، والأمراء فمن دونهم، واعتدوا لهم السوء والإثم، ورأوا أمرهم الفتنة التي لا يستقال فيها البلاء؛ فما زالوا بهم حتى قطع الله دابرهم وغابرهم.

هذا، وقد أورد ابن النديم في كتابه "الفهرست" أسماء كثير من أهل الشواذ في كثير من الأمصار، فارجع إليه إن شئت تستقصي فيما لا يفيد.


١ في سورة يوسف يصف إخوته وقد ذهبوا يتشاورون بعد أن استيأسوا من يوسف حين أخذ إليه أخاه. ومن عرف سياق الآية ثم قرأها لم يجد لها نظيرًا في باب التصوير البياني.
٢ اختلف الكوفيون والبصريون أيضًا في رسم المصاحف رجوعًا إلى قواعدهم المقررة، وقد كان الأمراء يفزعون إلى الجلة من علماء هذين المصرين في كتابة المصاحف على مذاهب أهل التحقيق، فيختلف كل فريق في رسمه بعض الاختلاف؛ ومن ذلك كتابة "والضحى والليل" فإن الكوفيين يكتبونها بالياء، ومن مذهبهم أنه إذا كانت كلمة من هذا النحو أولها ضمة أو كسرة كتبت بالياء، وإن كانت من ذوات الواو. أما البصريون فيكتبونها بالألف خلافًا, وقد ناظر المبرد ثعلبًا في ذلك بحضرة ابن طاهر، فقال المبرد لثعلب، لم كتبت "والضحى" بالياء؟ فقال: لضمة أوله، فقال له: ولم إذن ضم أوله وهو من ذوات الواو وتكتبه بالياء؟ قال: لأن الضمة تشبه الواو وما أوله واو يكون آخره ياء. فتوهموا أن أوله واو، فقال المبرد: أفلا يزول هذا التوهم إلى يوم القيامة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>