للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب والأعراب:

لعلماء اللغة كلام مسهب في وجه تسمية العرب بهذا الاسم، وقد استوفى الزبيدي قسمًا منه في شرحه على القاموس، ولا فائدة في جميعه؛ لأن مداره على اشتقاق اللفظة من "عربة" التي قالوا إنها باحة العرب -واختلفوا بين أن تكون مكة أو تهامة- أو ارتجالها كغيرها من أسماء الأجناس؛ أو هم سموا كذلك لإعراب لسانهم، أي: إيضاحه وبيانه؛ لأنه أوضح الألسنة وأعربها عن المراد بوجوه من الاختصار.

والصحيح أن اللفظة قديمة يرادبها في اللغات السامية معنى البدو والبادية، وتلك خصيصة العرب في التاريخ القديم. وقال بعض الباحثين: إنهم سموا بذلك حين نزحوا عن أرضهم الأولى -جهة العراق- إلى الجزيرة؛ لأن نزوحهم كان إلى الغرب؛ واللغة السامية الأصلية ليس من حروفها العين، فأصل اللفظة على ذلك "غرب" وهو تخريج على النسبة كالذي خبط فيه علماء اللغة.

ثم حدثت من هذه اللفظة لفظة الأعراب، وذلك حين تحضرت القبائل, فخصوا الكلمة بأهل البادية.

وقال الأزهري: رجل عربي، إذا كان نسبه في العرب ثابتًا وإن لم يكن فصيحًا، وجمعه العرب. ورجل أعرابي، إذا كان بدويا صاحب نجعة وانتواء وارتياد الكلأ وتتع مساقط الغيث١، وسواء كان من العرب أو من مواليهم، قال: والأعرابي إذا قيل له يا عربي فرح بذلك وهش، والعربي إذا قيل له يا أعرابي غضب؛ فمن نزل البادية أو جاوز البادين فظعن بظعنهم وانتوى بانتوائهم فهم أعراب، ومن نزل بلاد الريف، واستوطن المدن والقرى العربية وغيرها مما ينتمي إلى العرب فهم عرب وإن لم يكونوا فصحاء.

وقد صار لفظ الأعرابي بعد الإسلام مما يراد به، الجفاء وغلظ الطبع، وكانوا يسمون ذلك في الرجل أعرابية، فيقولون للجافي منهم: ألم تترك أعرابيتك بعد؟ وبذلك خرجت الكلمة عن مطلق معنى البادية إلى معنى خاص يلازمها.

والأعراب يومئذ هم أهل الفصاحة، يلتمسهم الرواة، ويحملون عنهم ويرون فيهم بقية اللغة ومادة العرب كما ستقف على تفصيله؛ وبهذا نزلوا من تاريخ الإسلام منزلة العرب من تاريخ الجاهلية في المعنى اللغوي.


١ المراد بذلك أنه يقيم حيث يجد المرعى، فإذا أجدب انتجع وذهب في طلبه، وهذا التعريف الذي جاء به الأزهري إنما هو من أمرهم بعد الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>