والروم والنبط والحبشة والبربر والسريان والعبران والقبط، وهي كلمات أخرجتها العرب على أوزان لغتها وأجرتها في فصيحها فصارت بذلك عربية، وإنما وردت في القرآن؛ لأنه لا يسد مسدها إلا أن توضع لمعانيها ألفاظ جديدة على طريقة الأول، فيكون قد خاطب العرب بما لم يوقفهم عليه، وما لا يدركون بفطرتهم اللغوية وجه التصرف فيه، وليس ذلك مما يستقيم به أمر ولا هو عند العرب من معاني الإعجاز في شيء؛ لأن الوضع يعجز أهله، وهم كانوا أهل اللغة.
ولذا قال العلماء في تلك الألفاظ المعربة التي اختلطت بالقرآن: إن بلاغتها في نفسها أنه لا يوجد غيرها يغني عنها في مواقعها من نظم الآيات، لا إفرادًا ولا تركيبًا، وهو قول يحسن بعد الذي بيناه.
ومن ألفاظه ما يسميه أهل اللغة بالوجوه والنظائر، والأفراد.
أما الوجوه والنظائر فهي الألفاظ التي وردت فيه بمعان مختلفة: كلفظ الهدى، فإنه فيه على سبعة عشر وجهًا، بمعنى: الثبات، والدين، والدعاء، ونحوها. ومن هذه الألفاظ: الصلاة، والرحمة، والسوء، والفتنة، والروح، وغيرها. وكلها مما يتبسط في استعماله بوجوه من القرائن وسياسة القرينة في العربية شريعة من شرائع الألفاظ.
وأما الأفراد فهي ألفاظ تجيء بمعنى مفرد غير المعنى الذي تستعمل فيه عادة، ولابن فارس في إحصاء هذا النوع كتاب قال فيه: كل ما في القرآن من ذكر الأسف فمعناه الحزن، إلا قوله:{فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} فمعناه: أغضبونا. وكل ما فيه من ذكر البروج فهي الكواكب, إلا قوله:{وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} فهي القصور الطوال الحصينة, وكل ما فيه ذكر البر البحر؛ فالمراد بالبحر: الماء، وبالبر: التراب، إلا قوله:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} فالمراد به البرية والعمران. وعد من مثل ذلك هو وغيره أشياء؛ فهذا ما يسمونه في لغة القرآن بالأفراد.