للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون فيه إشارة ولمحة ولعل متحققًا بهذه العلوم الحديثة لو تدبر القرآن وأحكم النظر فيه وكان بحيث لا تعوزه أداة الفهم ولا يلتوي عليه أمر من أمره ... لاستخرج منه إشارات كثيرة تومئ إلى حقائق العلوم وإن لم تبسط من أنبائها، وتدل عليها وإن لم تسمها بأسمائها، بل وإن في هذه العلوم الحديثة على اختلافها لعونًا على تفسير بعض معاني القرآن والكشف عن حقائقه، وإن فيها لجمامًا وذرية لمن يتعاطى ذلك؛ يحكم بها من الصواب ناحية، ويحرز من الرأي جانبًا؛ وهي تفتق لها الذهن، وتؤاتيه بالمغرفة الصحيحة على ما يأخذ فيه، وتخرج له البرهان وإن كان في طبقات الأرض، وتنزل عليه الحجة وإن كانت في طباق السماء.

ولا جرم أن هذه العلوم ستدفع بعد تمحيصها واتصال آثارها الصحيحة بالنفوس الإنسانية إلى غاية واحدة، وهي تحقيق الإسلام، وأنه الحق الذي لا مرية فيه، وأنه فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأنه لذلك هو الدين الطبيعي للإنسانية؛ وسيكون العقل الإنساني آخر نبي في الأرض؛ لأن الذي جاء بالقرآن كان آخر الأنبياء من الناس، إذ جاءهم بهذا الدين الكامل، ولا حاجة بالكمال الإنساني لغير العقول ينبه إليه بعضها بعضًا، ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض!.

وقد أشار القرآن إلى نشأة هذه العلوم وإلى تمحيصها وغايتها على ما وصفناه آنفًا، وذلك قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ولو جمعت أنواع العلوم الإنسانية كلها ما خرجت في معانيها من قوله تعالى: {فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} هذه آفاق، وهذه آفاق أخرى، فإن لم يكن هذا التعبير من الإعجاز الظاهر بداهة فليس يصح في الأفهام شيء.

ذلك وأن من أدلة إعجاز هذا الكتاب الكريم أن يخطئ الناس في بعض تفسيره على اختلاف العصور، لضعف وسائله العلمية ولقصر حبالهم أن تعلق بأطراف السموات أو تحيط بالأرض، ثم تصيب الطبيعة نفسها في كشف معانيه؛ فكلما تقدم النظر، وجمعت العلوم، ونازعت إلى الكشف والاختراع، واستكملت آلات البحث، ظهرت حقائقه الطبيعية ناصعة حتى كأنه غاية لا يزال عقل الإنسان يقطع إليها، حتى كأن تلك الآلات حينما توجه لآيات السماء والأرض توجه لآيات القرآن أيضًا {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} .

ذلك هو الأمر في العلوم الألى ثم الله ينشئ النشأة الآخرة.


= حياة قائمة التبلور، وذلك قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ومنها ما كشفوه من تلاقح النبات وأنه أزواج، والله تعالى يقول: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى} ويقول: {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ} .
والكلام في مثل هذا يطول، ولا ريب عندنا أن تحقيقه سيكون موضع كتاب الإعجاز الذي يخرجه المستقبل برهانًا للإنسانية على حقيقة دين الإنسانية فلندعه لأهله "عفا الله عنا وعنهم" وعسى أن يكون لنا من دعائهم في الرحمة والمغفرة ما لهم من دعائنا في العون والتوفيق، إنه من تعليق المؤلف. قال مصححه: ولا يفوتني في هذا المقام أن أنبه إلى المعاني الدقيقة التي وفق إليها الدكتور عبد العزيز إسماعيل في كتابه "الإسلام والطب الحديث" وكان الرافعي من المعنيين به، كما كان عونًا له ومددًا في كثير من شواهد كتابه "أسرار الإعجاز".

<<  <  ج: ص:  >  >>