للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعيين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين؛ رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف١ سبط العصب خمصان الأخمصين٢ مسيح القدمين ينبو عنهما الماء، إذا زال تقلعًا ويخطو تكفؤًا، ويمشي هونًا٣ ذريع المشية: إذا مشى كأنما ينحط من صبب٤، وإذا التفت التفت جميعًا٥ خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام".

قلت: صف لي منطقه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت٦، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه٧ ويتكلم بجوامع الكلم٨ فضلًا لا فضول فيه ولا تقصير٩ دمثًا ليس بالجافي ولا المهين١٠، يعظم النعمة وإن دقت لا يذم شيئًا، لم يكن يذم ذواقًا١١ ولا يمدحه، ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فضرب بإبهامه اليمنى راحته اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه؛ جل ضحكه التبسم١٢، ويفتر عن مثل حب الغمام". ا. هـ.

ولقد أفاضوا في تحقيق أوصافه صلى الله عليه وسلم بأكثر من ذلك ألفاظًا ومعاني ونقلوا الكثير الطيب من هذه الأوصاف الكريمة في كل باب من محاسن الأخلاق، مما لا يتسع هذا الموضع لبسطه، فتأمل أنت هذه الصفات واعتبر بعضها ببعض في جملتها وتفصيلها، فإنك متوسم منها أروع ما عسى أن تدل عليه


١ سائل الأطراف أي: طويل الأصابع. وشثن الكفين والقدمين أي: لحيمهما، ورحب الراحة أي: واسعها.
٢ أي: متجافي أخمص القدم، والأخمص؛ هو الموضع الذي لا تناله الأرض من وسط القدم. ومسيح القدمين أي: أملسهما.
٣ الهون: الرفق والوقار. والتكفؤ: الميل إلى سنن الممشى وقصده. والتقلع: رفع الرجل بقوة، وهذه صفات أقوى الناس في مشيته، وهي تكون من تماسك الجسم ووزنه وشدته.
٤ أي: من علو، والذريع الواسع الخطو.
٥ أي: لا يلوي بعض جسمه حين يلتفت، بل ينفتل بجميع جسمه، وهي حالة تكون من بلوغ القوة منتهاها.
٦ في بعض الأحاديث: كان سكوته صلى الله عليه وسلم على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير.
٧ أي: يستعمل جميع فمه للتكلم، لا يقتصر على تحريك الشفتين، وذلك من قوة المنطق والصوت والمعنى، وحضور الذهن واجتماعه.
٨ هي التي تجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة مع حكمة وسمو وبلاغة.
٩ أي: قولًا فصلًا يصيب به مقطع المعنى، لا حشو فيه فيزيد ولا تقصير فيقل.
١٠ الدماثة: سهولة الخلق. والجفاء: غلظه.
١١ هو ما يتذوق من الطعام.
١٢ كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تبسمًا وأطيبهم نفسًا. ما لم ينزل عليه قرآن أو يعظ أو يخطب، وقد تختلف الروايات في بعض ما مر من هذا الحديث الذي نقلناه، فلم نر حاجة إلى إثبات الاختلاف أو الاستقصاء فيه وهو بعد مبسوط في كتبه كشرح المواهب للزرقاني، وشرح الشفاء وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>