للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزء العلوي يسحب سكان:١

فالمقابلة بين هذه الضمائر كافية في الدلالة على أن العربية مجانسة لأختيها وأنها أعذب منهما وأخف، والسبب في ذلك أنها صرفت على وجوه كثيرة؛ لأنها كانت غير مدونة، بخلاف العبرانية مثلًا، فإنها مدونة من أقدم أزمانها، والكتابة نص على النص، فبقيت ثابتة كما هي؛ فضلًا عما لقي العبرانيون من طول الاغتراب والتقلب بين أظهر الأمم المختلفة، وما ابتلوا به من الجوائح السياسية في متعاقب أزمانهم؛ وكل ذلك قد خلا منه العرب، وهم ليسوا من أهل المهن، ولا أورثتهم الطبيعة أسباب التبليد والغرة والذل.

وبعد؛ فإن الكلام في مجانسة العربية لأخواتها من اللغات السامية طويل الذيل عند علماء اللغات، وقد فصلوه تفصيلًا وجاءوا فيه بأشياء كثيرة من الحبشية والحميرية والعبرانية والسريانية والفروع الأخرى التي أومأنا إليها فيما سبق، مما لا محل لبسطه وتقريره؛ لأننا إنما نشير إلى التاريخ وقد يكون المثال الطبيعي برهانًا فيه.

على أنه يخلص من جملة أبحاثهم أن المشابهة بين العربية وباقي اللغات السامية أمر لا ريب فيه؛ وعلى ذلك فهي إما أن تكون فرعًا من الأصل الذي انفصلن عنه جميعًا، ويكون أصل الوضع مستصحبًا في جميعها على السواء؛ وإما أن تكون مشتقة من بعض تلك الفروع ثم كملت بما تناولته من غيرها إلى أن استقلت طريقتها المقومة لها بعد ذلك. وكلا الرأيين قريب بعضه من بعضه في النسبة؛ غير أنهم يرجحون الرأي الأول كما سلف بيانه.

ومما يحسن ذكره في هذا الموضع، أن العدنانية يعدون أنفسهم متميزين عن القحطانية، ويقولون إن حميرًا تنمي إلى العرب وليست منهم، وكذلك يرون أن اليهود مع طول معاشرتهم إياهم واختلاطهم بهم ليسوا إلا حلفاءهم، فلا يبالون بأنسابهم ولا بلغتهم، وكأنهم لا يرون أنهم أخذوا من العبرانية أو الحميرية شيئًا وإنما ذلك شعور طبيعتهم السامية.


١ ينطق الحرف الذي نضع تحته هذه الكسرة بالإمالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>