ولا بد من هذا القياس؛ لأن الألقاب إنما تشعر بمدح أو ذم، والأسماء لم توضع إلا للامتياز في التعريف، فأما أن تجيء الكلمة لا هي مما يمتاز بمثله عادة، وليست موضع مدح أو ذم ولو من طريق العتب، ثم يقال إنها اسم أو لقب فهذا ما لا يصدق. ولو أجزنا ذلك لاستغرق جميع الشعراء إلى اليوم، وذلك شيء لم يكن، وقد ذكر الجاحظ أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة -وكان خطيبًا من وجوه قريش ورجالهم سمي القباع- قال: وإنما سمي القباع؛ لأنه أتى بمكتل لأهل المدينة فقال: إن هذا المكتل لقباع، فسمي به. والقباع الواسع الرأس القصير "ج١: البيان" فهذا سبب يدلك على أنهم لم يكونوا يجازفون بالتلقيب والتسمية، ولا بد من معنى لذلك، وهو أمر شائع في كل زمن؛ ومن هذا القبيل -وإن كنا نورده استجمامًا وفكاهة- ما ذكره الجاحظ أيضًا في سبب تسمية علي بن إسحاق بن يحيى المجنون المسمى بمقوم الأعضاء، أنه جلس مع بعض متعاقلي فتيان العسكر وجاءهم النخاس بجوار، فقال: ليس نحن في تقويم الأبدان، إنما نحن في تقويم الأعضاء، ثمن أنف هذه خمسة وعشرون دينارًا، وثمن أذنيها ثمانية عشر، وثمن عينيها ستة وسبعون، وثمن رأسها بلا شيء من حواسها مائة دينار. فقال صاحبه المتعاقل: ههنا باب فهو أدخل في الحكمة من هذا؛ كان ينبغي لقدم هذه أن تكون لساق تلك، وأصابع تلك أن تكون لقدم هذه؛ وكان ينبغي لشفتي تيك أن تكونا لفك تيك، وأن يكون حاجبا تيك لجبين هذه؛ فسمي مقوم الأعضاء "ج٢: البيان" والشرط في التلقيب بالكلمات أن تسير الكلمة؛ فإذا قرنت بالاسم زادته معنى، وإذا كانت مفردة أغنت؛ وهذا ما لا يتفق إلا بمثل الأسباب التي ذكرنا، فتنبه له.