وبعد أن أخذ شعراء العرب في التروية والتنقيح وتحكيك الشعر نشأ عندهم لقب المطبوع واستعملوه فيمن يجري على طبعه العربي ولا يتصنع ولا يتكلف ما يلزم التروية من التبييت ومعاودة النظر ونحو ذلك، فهذه جملة ألقاب الشعراء عندهم.
أما تعريف النبوغ في علم السيكوفيسيولوجيا، وهو الذي يبحث فيه عن ارتباط أحوال النفس بالوظائف العضوية، فإن أهل هذا العلم يقولون: إن النبوغ تميز المخلوق بتأدية أعمال مألوفة على وجه من الإتقان يصعب على كثير ممن يقومون بهذه الأعمال عادة، فهو إذن استعداد فطري تنميه المثابرة على العمل حتى يبلغ حظه المقسوم له من الكمال، وعلى ذلك يكون عاما في كل المخلوقات؛ لأن كل جنس منها يمتاز بعضه على بعضه في أداء الحركات والأعمال الطبيعية له.
ولكن عندهم نبوغًا عبقريا خاصا بالإنسان يصح أن يسمى بالجهبذة، وهو ابتداع المرء ما يكون غيره قد غفل عنه، أو اتباعه ما جرى عليه غيره ولكن على وجه ذاتي يكون له فيه صفة من الابتداع, فهو إذن نمو عضوي كمالي يثبت للعامل شخصية العمل. وهذا المعنى في الشاعر هو الذي يريده العرب بلقب الفحل والخنذيذ -كما سبق- وبه ميزوا السرقة من الاختراع في المعاني، كما سيأتي في موضعه.