للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي سبب قتله أقوال متقاربة؛ أمثلها ما رواه يعقوب بن السكيت في شرح ديوانه؛ قال١: إن طرفة هجا عمرو بن هند "ص٤١٥ ج١: خزانة الأدب" بأبياته التي أولها:

فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثًا حول قبتنا تخور٢

لم يسمعها عمرو بن هند؛ حتى خرج يومًا إلى الصيد فأمعن في الطلب، فانقطع في نفر من أصحابه حتى أصاب طريدته؛ فنزل وقال لأصحابه: اجمعوا حطبًا، وفيهم ابن عم طرفة، فقال لهم: أوقدوا، فأوقدوا نارًا وشوى، فبينما عمرو يأكل من شوائه وعبد عمرو يقدم إليه، إذ نظر إلى خصر قميصه منخرقا فأبصر كشحه وكان من أحسن أهل زمانه جسمًا، وقد كان بينه وبين طرفة أمر وقع بينهما منه شر فهجاه طرفة بأبيات فقال له عمرو بن هند، وكان سمع تلك الأبيات: يا عبد عمرو، لقد أبصر طرفة حسن كشحك، ثم تمثل فقال:

ولا خير فيه غير أن له غنى ... وأن له كشحًا إذا قام أهضما

فغضب عبد عمرو مما قاله وأنف فقال: لقد قال للملك أقبح من هذا! قال عمرو: وما الذي قال؟ فندم عبد عمرو وأبى أن يسمعه، فقال: أسمعنيه وطرفة آمن، فأسمعه القصيدة التي هجاه بها ... فسكت عمرو بن هند على ما قرر في نفسه، وكره أن يعجل عليه لمكان قومه فأضرب عنه -وبلغ ذلك طرفة- وطلب غرته والاستمكان منه، حتى أمن طرفة ولم يخفه على نفسه، فظن أنه قد رضي عنه، وقد كان المتلمس -وهو جرير بن عبد المسيح- هجا عمرو بن هند، وكان قد غضب عليه، فقدم المتلمس وطرفة على عمرو بن هند يتعرضان لفضله، فكتب لهما إلى عامله على البحرين وهجر.... وقال لهما انطلقا إليه فاقبضا جوائزكما، فخرجا، فزعموا أنهما لما هبطا النجف قال المتلمس: يا طرفة، إنك غلام غر حديث السن، والملك من قد عرفت حقده وغدره، وكلانا قد هجاه، فلست آمنًا أن يكون قد أمر فينا بشر، فهلم ننظر في كتابنا، فإن يكن أمر لنا بخير مضينا فيه، وإن يكن أمر فينا بغير ذلك لم نهلك أنفسنا، فأبى طرفة أن يفك خاتم الملك، وحرص المتلمس على طرفة فأبى [ثم كان من أمرهما أن قتل طرفة، قتله عامل عمرو بن هند على البحرين*] ويقال إنه لما قرأ العامل الصحيفة عرض عليه فقال: اختر قتلة أقتلك بها. فقال: اسقني خمرًا، فإذا ثملت فافصد أكحلي، ففعل حتى مات، وذكر ذلك البحتري بقوله:

وكذاك طرفة حين أوجس خيفة ... في الرأس، هان عليه فصد الأكحل

قال المرتضى في أماليه "ص١٣١ ج١": ويقال إن صاحب هذه القصة هو النعمان بن المنذر، وذلك أشبه بقول طرفة:

أبا منذر كانت غرورًا صحيفتي ... ولم أعطكم بالطوع مالي ولا عرضي

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا

حنانيك، بعض الشر أهون من بعض

وأبو المنذر هو النعمان بن المنذر، وكان النعمان بعد عمرو بن هند، وقد مدح طرفة المتلمس في النعمان، فلا يجوز أن يكون عمرو قتله، فيشبه أن تكون القصة مع النعمان.

وقالوا: إن طرفة نطق بهذين البيتين "أبا منذر...." لما أيقن بالموت، وقد عدوه بهما فيمن شعره في رويته وبديهته سواء عند الأمن والخوف، لقدرته وسكون جأشه وقوة غريزته، كهدبة بن الخشرم ومرة بن محكان السعدي "ص١٢٩ ج١: العمدة".

ويقال إن ذلك كان سنة ٥٥٢ بعد الميلاد، وقيل: سنة ٥٦٤.


١ ذكر البغدادي في خزانة الأدب أن لديوان طرفة شرحًا آخر للأعلم الشنتمري.
٢ الرغوث: النعجة المرضع.
* زيادة على الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>