وكان زهير يمدح هرم بن سنان سيد غطفان وأحد أجواد العرب المشهورين، وهو الذي وقع به إلى صميم المديح وأراه من جوده موضع الاختراع، حتى قالوا إنه حلف أن لا يمدحه زهير إلا أعطاه ولا يسأله إلا أعطاه، ولا يسلم عليه إلا أعطاه: عبدًا أو ليدة أو فرسًا، فاستحيا زهير مما كان يقبل منه، فكان إذا رآه في ملأ قال: عموا صباحًا غير هرم وخيركم استثنيت؛ وقد سلف لنا الكلام في الارتجال والبديهة عن حوليات هذا الشاعر والأسباب التي بعثته على الصنعة والتنقيح حتى صار مثلًا في ذلك للمتأخرين، وخرج شعره مصفى مستويًا؛ إذ كان لا يعاظل بين الكلام، ولا يتتبع الوحشي منه١.
حتى قال أبو عبيدة: إن لشعره ديباجة إن شئت قلت شهد إن مسسته ذاب، وإن شئت قلت صخر لو رديت به الجبال لأزالها.
وعمر زهير طويلًا، وتوفي قبل البعثة بسنة، وديوان شعره معروف وعليه شروح طبع منها في "ليدن" شرحه للأعلم الشنتمري سنة ١٨٨٩ للميلاد.
١ قالوا: المعاظلة ترديد الكلام في قافية بمعنى واحد، وقال صاحب المثل السائر: هي مأخوذة من قولهم تعاظلت الجرادتان، إذا ركبت إحداهما الأخرى، فسمي الكلام المتراكب في ألفاظه وفي معانيه بالمعاظلة، وله في تقسيمها كلام حسن فالتمسه هناك.