للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو

وكانت تلك أول قصيدة مدح بها هرمًا، ثم تابع بعد ذلك. والرواة يختلفون في عدد أبياتها؛ ولكنهم لا يزيدون [منها] على أربعة وستين بيتًا، ولا ينقصون عن تسعة وخمسين؛ وقد استهلها بكلام عن الديار والآثار كان شائعًا في العرب، ولم يحسن فيه إحسان غيره، ثم وصف الظعائن في الهوادج وما طرحن عليها من الأنماط العتاق والكلل التي تشبه حواشيها لون الدم، وذكر بكورهن وأنهن لا يخطئن الوادي كما لا تخطئ اليد الفم.... واستمر يصف رحيلهن، ثم اقتضب المديح في الحارث وهرم، فذكر ماسعيهما ومداركتهما عبسًا وذبيان، وما احتملا من غرامة لم يجرما لها، ثم أقبل على الأحلاف: أسد وغطفان وطيئ، ينذرهم أن يحنثوا فيما تحالفوا عليه من السلم أو يكتموا الله ما في صدورهم ويذكرهم بالحرب ما علموا وذاقوا، ويصفها لهم وقد لقحت وأنتجت كل غلام أشأم، وأغلت ما لا تغل قرى العراق من قفيز ودرهم، ثم ذكر ما جره عليهم حصين؛ وتخلص من ذلك إلى الذين تحملوا الديات ووطئوا أكناف المكارم لهذه المغارم، فوصف كرمهم وعزهم، ثم خرج إلى ما يشبه كلام الأنبياء؛ فاستخلص مما قصه حكمًا يصف بها الحياة السياسية والاجتماعية؛ ولقد أبرزها في موضعها سياسة في الشعر وفلسفة في السياسة؛ وهي جملة المختار من هذه القصيدة؛ ومنها:

ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم

ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتق الشتم يشتم

ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم

إلى أن يقول:

ومهما تكن عند امرئ من خليفة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم

وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... ولم يبق إلا صورة اللحم والدم

وهذان البيتان من الروحانيات التي لا تزال تطير بين السماء والأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>