وتوفي أبو يعقوب سنة ٥٨٠هـ فقام بعده يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، وكان قد وزر لأبيه [فبلغ غاية] بعيدة من مطالعة الأمور وتقدير الرجال، فكأنما استوفى حظه من إكرام الفلسفة ووفاها قسطها في ذلك الزمن؛ لأنه ما كاد يتصل به الأمر حتى أراد أن يرجعها بدوية ساذجة يجري فيها على سنن الخلفاء الراشدين، فكان يتولى الإمامة بنفسه في الصلوات الخمس ثم كان يقعد للناس عامة لا يحجب عنه أحد، حتى اختصم إليه رجلان في نصف درهم! "ص١٨٩: المعجب"، وقد سلف ما كان من نظره في كتب الرأي وتقدمه بإحراقها، وحكوا عنه أنه لما أزمع الخروج إلى بعض غزواته سنة ٥٩٢هـ كتب إلى جميع البلاد بالبحث عن الصالحين والمنتمين إلى الخير وحملهم إليه، فحصل على جماعة كبيرة منهم كان يجعلهم كلما سار بين يديه، فإذا نظر إليهم قال لمن عنده: هؤلاء الجند لا هؤلاء! مشيرًا إلى العسكر؛ ولعله يحكي في ذلك قتيبة بن مسلم الفاتح الشهير، فإنه حين لقي الترك وكان في جيشه أبو عبد الله محمد بن واسع، جعل يكثر السؤال عنه، فأخبر أنه في ناحية من الجيش متكئًا على سية قوسه رافعًا إصبعه إلى السماء ينضنض بها، فقال قتيبة: لتلك الإصبع..... أحب إلي من عشرة آلا سيف.