الحديثة، فماتت إلا في بعض زوايا المساجد وبقيت في الزوايا خبابًا.
[وإنما حملنا على الاهتمام بهذا البحث والصبر على مطاولة التعب في جمعه والتفتيش عنه، أن هذه الصناعات قد طوي زمنها ومات شأنها أو دنف بعد هذه الآونة الأخيرة التي نهضت بها اللغة وآدابها، وانصرف أهلها إلى غير هذا التسخير في القرائح، فلا تكاد تجد في أدباء اليوم من يعرف تاريخ نوع واحد منها؛ وإذا ابتعد الزمن بعصرنا هذا أصبحت في الأدب كالآثار المستعجمة، إلا قليلًا مما استوعبت الكتب بعض تاريخه*] .
وقد برع أدباء اللسانين [الفارسي والتركي] في هذه الأنواع وفاقوا العرب في أشياء منها؛ ومن أعجب ما قرأته أن علاء الدين بن شمس الدين الفقازي من علماء الروم المتوفى سنة ٩٠٣هـ كان يقرئ تلامذته شرح "المطول في علوم البلاغة"، فلما انتهوا إلى فن البديع صار يورد لكل صنعة عدة أبيات من الفارسية، قالوا: وكانوا يقرءون كل يوم من الضحوة إلى العصر سطرًا أو سطرين، فلما طال عليهم ذلك قال لهم: هذه قراءة الكتاب فاقرءوا الفن، وصار يقرئهم كل يوم ورقتين. وذلك علم كثير.
وسنأتي على شرح ما عثرنا عليه من الصناعات وتاريخه على مقدار ما وسعه الجهد وبلغ إليه الاطلاع ومكنت منه الفرصة؛ وإن هذا المبحث لحقيق أن يكون كتابًا برأسه، ولكنه فضلًا عن ذلك لم يجتمع إلى الآن في كتاب.
وقد كان يقع في هذا الفصل كلام في مقارنة هذه الصناعات بعضها ببعض ونسبة أثرها في اللغة وأشياء نحو ذلك، ولكنا سنفرقه على مواضعه ونجيء به عند مقاطعه.
* قلت: هذه العبارة التي بين العلامتين [] لم تكن في هذا الموضع مما تحت يدي من الأصل، ولكنها كالحاشية في ورقة منفصلة فرأيت إثباتها هنا.