للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأفصح القبائل الذين هم مادة اللغة فيما نص عليه الرواة: قيس، وتميم، وأسد، والعجز من هوازن الذين يقال لهم عليا هوازن١، وهم خمس قبائل أو أربع، منها: سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف. قال أبو عبيدة: وأحسب أفصح هؤلاء بني سعد بن بكر، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، وأني نشأت في بني سعد بن بكر" وكان مسترضعًا فيهم, وهم أيضًا الذين يقول فيهم أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلي تميم٢.

ولهذا كان لا يكتب في المصاحف برأي عمر وعثمان إلا كاتب ثقيف. وتلك القبائل كلها كانت تسكن في بوادي نجد والحجاز وتهامة، وقد بقيت معادن الفصاحة العربية زمنًا بعد الإسلام، وإليها كان يرحل الرواة، حتى إن الكسائي لما خرج البصرة فلقي الخليل بن أحمد وجلس في حلقته، قال له رجل من الأعراب: تركت أسدًا وتميمًا وعندهما الفصاحة وجئت إلى البصرة! فقال للخليل: من أين أخذت علمك؟ قال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة. فخرج إليهم ولم يرجع حتى أنفذ خمس عشرة قنينة حبرًا في الكتابة عن العرب.

ولم تزل هوازن وتميم وأسد متميزة بخلوص المنطق وفصاحة اللغة إلى آخر القرن الرابع للهجرة؛ وهذا الأزهري صاحب "تهذيب اللغة" المتوفى سنة ٣٧٠هـ يقول في مقدمة كتابه: "لما وقعت في إسار القرامطة، وكان الذين وقعت في سهمهم عربًا، عامتهم من هوازن واختلط بهم أصرام من تميم وأسد.... يتكلمون بطباعهم البدوية وقرائحهم التي اعتادوها، ولا يكاد يقع في نطقهم لحن ولا خطأ فاحش.... إلى أن يقول: واستفدت من مخاطبتهم ومحاورة بعضهم بعضًا ألفاظًا جمة ونوادر كثيرة أوقعت أكثرها في مواقعها من الكتاب" ا. هـ.

أما القبائل التي اختلطت بغيرها فلم ينقلوا عنها ولا عدوها خالصة الفصاحة، فسنذكرها مع تفصيل لما تقدم عند الكلام على رواية اللغة إن شاء الله.


١ وفيهم قال أبو زيد: أفصح الناس سافلة العالية، وعالية السافلة. ويعني عجز هوازن. وأهل العالية أهل المدينة ومن حولها وما يليها ودنا منها؛ ولغتهم ليست بتلك عنده.
٢ في رواية أخرى عن أبي عمرو أيضًا: أفصح الناس عليا تميم وسفلى قيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>