للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على سبيل المثال: إذا نجحت هذه اللغة ستتحرر من القيد الذي فُرض عليها، فأغلب الظن أن الإسبرانتو بعد أن توضع قيد الاستخدام تدخل مرحلةً من الحياة الكاملة للعلامة اللغوية، وتنتقل طبقًا لقوانين تختلف تمامًا عن تلك التي وُضعت لتلائم طبيعتها المنطقية الأولى: ولن تعود إلى هذه الطبيعة أبدًا. إن الذي يقترح لغةً ثابتةً تستخدمها الأجيال المقبلة وتقبلها بطبيعتها الأولى فإن مثله كمثل الذي يضع تحت الدجاجة بيضة البط، فاللغة التي يخلقها هذا الرجل يجرفها، رغم صاحبها، التيار الذي يجرف بقية اللغات.» (١)

يسير الزمن فتتغير حاجات الناطقين باللغة، وتتبدل الأجيال والأحوال، وأشكال الحياة وأنماط التفكير وأدوات العمل ووسائط المعلومات، تتغير اللغة بتغير الحياة، تتغير الأشياء وغطاؤها الرمزي.

[(١) أسباب التغير اللغوي]

[(١ - ١) مبدأ الاقتصاد]

من أسباب تغير اللغة مبدأ الاقتصاد في الجهد، أي ميل الناطقين إلى التعبير المفيد بأقل مبذول من الطاقة، مثال ذلك التخلص من الهمزة في لهجة قبائل الحجاز وفي معظم اللهجات العربية الحديثة، وانكماش «الأصوات المركبة» Diphthong، فتحول نطق «يَوم» إلى «يُوم»، و «نَوْم» إلى «نُوم»، و «بَيْت» إلى «بِيت»، و «عَيْن» إلى «عِين»، واندثار الأصوات الأسنانية (الثاء والذال والظاء) في بعض اللهجات العربية الحديثة، والقضاء على التفريعات الكثيرة والأنواع المختلفة للظاهرة الواحدة في داخل اللغة، مثال ذلك الاكتفاء بالتاء كعلامة تأنيث والاستغناء بها عن الألف المقصورة (فنقول: سَلمه، عَدوه، فَتوه، بلدًا من: سلمَى، عدوَى، فتوَى) وعن الألف الممدودة (فنقول: حَمره، صَحره، شَقره، بدلًا من: حمراء، صحراء، شقراء).

يشير فراي إلى أن ما دُرج على تسميته بالأغلاط في الاستعمال اللغوي العادي ما هو إلا محاولة لتبسيط التنظيم اللغوي، باتجاه الانتفاع إلى أقصى حد من المجهود الذي


(١) توفي دي سوسير عام ١٩١٣، ونشر تلميذاه شارل بالي وألبرت سيكاهي محاضراته في علم اللغة العام سنة ١٩١٦.

<<  <   >  >>