للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وها هو الدكتور محمد كامل حسين، وهو ضليع في اللغة وعضو مجمع، يقول في واحدة من مداولات المجمع عام ١٩٦١: «أما فيما يتعلق بالإبقاء على اللغة العربية، فإننا نعمل جهد الطاقة للحفاظ عليها، غير أننا لا نريد أن نبقيها متحجرة حتى لا يبعد عنها المثقفون، وهذا لا يتأتى إلا بأن نغير منها بحيث تصبح مقبولة عند المحدثين، أما التمسك بجميع تفاصيل قواعد النحو والصرف فهذا يتطلب أمة متفرغة للغة وقواعد اللغة، وهذا زمن انتهى فلم يعد في الإمكان أن تكون جميع الحركات الفكرية العربية متعلقة باللغة وحدها، فوقتنا لا يسمح مطلقًا بأن تكون الثقافة العربية محصورة في اللغة وإلا احتاج الأمر إلى أن نتفرغ لها مدى الحياة لكي نعرف ما هو الصحيح وما هو الخطأ، وحتى علماء اللغة دائمو الرجوع إلى معاجمها، ونحن نفعل ذلك هنا (في المجمع) دائمًا وبيننا صفوة من علماء اللغة، فمن يريد المحافظة على اللغة العربية لا يرضى لها أن تبقى متحجرة أو محنطة، بل يجعلها مسايرة للحياة، ولمطالب المحدثين الذين يريدون لغةً عربية مقبولة … هذا النوع من التفكير أصبح لا يطيقه العصر الحاضر، نريد أن نسهل هذه القواعد بحيث تصبح في متناول المتكلمين؛ حتى لا يشعروا بالعجز وبأنهم دائمًا مخطئون، فكل منا مهما كان علمه سيجد من يخطِّئه.» (١)

يقول أدونيس: «إن ما ينبغي أن نتمسك به ونحاكيه هو، بالأحرى، ذلك اللهب الذي حرك أسلافنا، لهب السؤال، والبحث والمعرفة، من أجل أن ننتج ما يكمل نتاجهم، برؤيةٍ جديدة للإنسان والكون، وبمقارباتٍ معرفية جديدة، وهذا يقتضي تفكيك معارفهم ونظراتهم وتمثلها نقديًّا، بحيث يبدو الجديد كأنه طالعٌ من القديم، لكنه في الوقت نفسه، شيءٌ آخر، مختلفٌ كليًّا، وفي هذا سر التواصل العميق الخلاق بين القديم والحديث.» (٢)

(٤) الإصلاح لا يكون إلا جزئيًّا

هناك اعتبارٌ آخر ينبغي أن يراعيه كل مصلح، لغوي أو غير لغوي، يريد لعمله أن يبلغ غايته ولا يذهب أدراج الرياح، ذلك أنك لا تبدأ إصلاحك من «نقطة أرشيميدية» تقع خارج العالم! ولا تبدأ من «رسم» Blueprint يوتوبي مثالي كامل تريد أن تطبقه على


(١) مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الدورة ٢٨، ١٩٦١، مجلة المجمع، ج ١٥، ص ٨٠.
(٢) الشعرية العربية، ص ٩٩.

<<  <   >  >>