للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن جميع الألسن قد لحقت بركب العلم وامتزجت بنوره، «إلا لساننا الذي فاته قطار التحديث فبقي يجتر ذاكرته التراثية كبديلٍ عن الالتحاق بقافلة المعارف والعلوم التي أقلعت في القرن السابع عشر بدونه.» (١)

يقول شبلي شميل: «تحيا اللغة بحياة الأمم، وحياة الأمم إنما تكون بعلومها وصناعاتها، وحياة العلوم والصناعات بالعلماء والصناع منها؛ فإذا خلت أمة منهم ذهب استقلالها وكان القضاء عليها أمرًا محتومًا. ومن يوم تحول علم الطب في مدارس مصر وسورية إلى الإنجليزية والفرنسية فقدت اللغة أقوى أركانها العلمية حتى صار من الصعب عليها جدًّا اللحاق بالعلوم الطبيعية في سيرها السريع.» (٢)

وما لنا لا نقتدي بأسلافنا في العصر العباسي، الذين سادوا زمانهم، وملكوا لغتهم فتصرفوا تصرف السادة الأحرار، لم تملكهم اللغة التي عشقوها وأجَّلوها، ولو أن ذلك حدث لجمدوا وجمدوها، ولكنهم أحسنوا توظيفها في الحضارة الجديدة المتفتحة أمامهم، فطوعوها وأغنوها، وجعلوها - كما رأينا - عنصرًا أساسيًّا في قيام هذه الحضارة، بل في صياغة علم عالمي ما زالت الإنسانية تجني ثماره المتجددة. (٣)

لقد أدى هذا السلف العظيم مهمته على خير وجه، وها نحن نقف على محك مماثل، وقد عرضت علينا أمانةٌ تاريخية فهل نحن حاملوها؟ أمانة خدمة اللغة وإثرائها وتجديد دمائها، وعصرنتها بحيث يمكنها أن تكون لغةً بحق: تعبر عن قضايا العصر وعلومه، وتسهم في بناء الحضارة بسهم.

[(٣ - ١) تعريب العلم أفتك سلاح ضد الإرهاب]

لا تعشش الخرافة وتفرخ إلا في خرابٍ لغوي.

حين تجري الحداثة والمفاهيم العلمية والفلسفية الجديدة في عروق اللغة، فإنها بالفعل ذاته تجري في العقول التي تشكلها اللغة. العلم حق، ويوم يتحدث العلم بالعربية ستتبدد من عقولنا، تلقائيًّا، قطع الظلام وتفر الخرافة التي لا تعشش ولا تفرخ إلا في


(١) د. يحيى الرخاوي: مخاطر الترجمة بين تسطيح الوعي واختزال المعرفة، قضايا فكرية، الكتاب ١٧ - ١٨، ١٩٩٧، ص ١٨٨ - ١٩٣.
(٢) «نعلمن» هنا من «العلم» Science لا من «العلمانية» Secularism.
(٣) العفيف الأخضر، المصدر السابق، ص ٢٢٢ - ٢٢٣.

<<  <   >  >>