الظواهر اللغوية التي لم تأتِ عبثًا ولم تنشأ اعتباطًا. يقول السيوطي في «الاقتراح»: «إن العرب لم تبتدع اللغة العربية، وإنما هي من صنع الله سبحانه، وعلى النحاة أن تبحث عن حكمة الله فيما صنعه»(التوقيف). ويقول سيبويه:«وليس شيءٌ يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهًا»(حكمة العرب). ويقول الزجاجي في «الإيضاح في علل النحو»: «سئل الخليل بن أحمد رحمه الله عن العلل التي يعتل بها في النحو، فقيل له: عن العرب أخذتَها أم اخترعتَها من نفسك؟ فقال: إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها، وعرفت مواقع كلامها، وقام في عقولها علله وإن لم يُنقَل ذلك عنها، واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته منه، فإن أصبت العلة فهو الذي التمستُ، وإن تكن هناك علة له فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارًا محكمة البناء عجيبة النظم والأقسام، وقد صحت عنده حكمة بانيها بالخبر الصادق أو بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة، فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها قال: «إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا، ولسبب كذا وكذا سنحت له وخطرت بباله محتملة لذلك، فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة، إلا أن ذلك مما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك، فإن سنح لغيري علة لما عللته من النحو هو أليق مما ذكرته بالمعلولات فليأتِ بها»، وهذا مستقيم وإنصاف من الخليل رحمة الله عليه.» (١)
[(٤ - ١) تفصيل العلل]
يشير السيوطي في «الاقتراح» إلى أن أبا عبد الله الحسين بن موسى الدينوري الجليس قد ذكر أن «اعتلالات النحويين صنفان: علة تطرد على كلام العرب وتنساق إلى قانون لغتهم، وعلى تظهر حكمتهم وتكشف صحة أغراضهم ومقاصدهم في موضوعاتهم، وهم للأُولى أكثر استعمالًا وأشد تداولًا، وهي واسعة الشعب إلا أن مدار المشهورة منها على أربعة وعشرين نوعًا … وشرح ذلك التاج بن مكتوم في «تذكرته» فقال: قوله «علة سماع» مثل قوله «امرأة ثدياء» ولا يقال «رجل أثدى»، وليس لذلك علة سوى السماع. و «علة تشبيه» مثل إعراب المضارع لمشابهته الاسم، وبناء بعض الأسماء لمشابهتها الحروف.
(١) الزجاجي: الإيضاح في علل النحو، تحقيق: مازن المبارك، دار النفائس، بيروت، ١٩٧٢، ص ٦٥ - ٦٦.