في بحث للدكتور محمد كامل حسين في مجلة مجمع اللغة العربية بعنوان «أخطاء اللغويين»، (١) يقول إنَّه «لا يستسيغ أن نستشهد بكلام أَمَةٍ (عبدة) بلهاء؛ لأنَّها لم تخالط الأعاجم، وأن نقبل كل ما يقوله الأعرابي مهما يكن حظه من الذكاء، وألَّا نثق بما يقوله الجاحظ بذكائه وعلمه، وهناك ظاهرة أخرى أدى إليها تأخر التدوين في تاريخ اللغة العربية، والرغبة الملحَّة في جمع اللغة من أفواه الناس قبل أن يفسدهم الاختلاط بالأعاجم، ذلك أن اللغويين جمعوا كل ما سمعوه من العرب على اختلاف قبائلهم ولهجاتهم، وسموا ذلك كله اللغة العربية، وهي مجموعة لغات تتفق في أمورٍ كثيرة وتختلف في أمورٍ كثيرة، وهذا هو التعليل الوحيد لوجود بابين للفعل الواحد. ولا أظن أن الرجل من تميم كان ينطق بالفعل يومًا من باب «نَصَرَ» ويومًا من باب «فَتَحَ»، وإنما هو اختلاف اللهجات، كما يقول أهل القاهرة «سِمِع» الكلام بكسرتين وما يقول أهل الشمال «سَمَع» الكلام بفتحتين، ولا أدري داعيًا للتمسك بالبابين للفعل الواحد إلا أن يكون هناك اختلاف في المعنى كما نراه في فعل «حسب» و «كبر»، ولعل في هذا أيضًا تعليل المصادر المتعددة للفعل الواحد، ولعل من واجباتنا أن نحدد لكل مصدر معنًى يختلف عن الآخر، فيكون «الإياب» من السفر و «الأوب» من الخطأ والذنب.»
ويمضي د. كامل حسين في تبيان جرائر الخلط في اللهجات فيقول:«وهذا أيضًا تعليل أسماء الأضداد، وليس معقولًا أن القبيلة الواحدة كانت تسمي الأسود والأبيض جونًا، وإنما هو من اختلاف لغات القبائل، ليس علينا أن نتابع اللغويين فيما فعلوه من جمع اللهجات كلها، ومن إغفالهم النص على أن لهجة بعينها كانت لقبيلة دون أخرى، وهم لم يذكروا شيئًا عن ذلك إلا نادرًا.»
ثم يشير إلى خطأ منهجي يصل إلى قلب الأمور: «على أن هناك ظاهرة عجيبة حدثت إبان جمع اللغة: وذلك أن اللغويين بدءوا بجمع أكبر عدد من الألفاظ التي سمعوها عن العرب، وتنافسوا في كثرة ما حفظوه منها، ثم أخذوا بعد ذلك يبحثون عن مدلولات هذه الألفاظ، جمعوا الأسماء أولًا ثم بحثوا عن مسمياتها، على حين أن الأمر الطبيعي هو أن يعرف الناس الأشياء ثم يبحثوا عن كلمات تدل عليها! ورأى اللغويون أن لديهم عددًا كبيرًا
(١) مجلة مجمع اللغة العربية، ج ٢٢، القاهرة، ١٣٨٧ هـ/ ١٩٦٧ م.