للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(١) مزايا صوتية]

تَستخدم العربية جهاز النطق في الإنسان على أكمل نحوٍ وأقومه، ولا تهمل منه أي شيء بوسعه أن يؤديه. «إن جهاز النطق الإنساني أداة موسيقية وافية، لم تحسن استخدامها على أوفاها أمةٌ من الأمم القديمة أو الحديثة كما استخدمتها الأمة العربية؛ لأنها انتفعت بجميع المخارج الصوتية في تقسيم حروفها، ولم تهمل بعضها، وتكرر بعضها الآخر بالتخفيف تارة والتثقيل تارة أخرى، كما فعل المتكلمون بسائر اللغات المعروفة.» (١)

«العربية هي أوفر اللغات عددًا في أصوات المخارج التي لا تلتبس ولا تتكرر بمجرد الضغط عليها، فليس هناك مخرج صوتي واحد ناقص في الحروف العربية، وإنما تعتمد هذه اللغة على تقسيم الحروف على حسب موقعها من أجهزة النطق، ولا تحتاج إلى تقسيمها باختلاف الضغط على المخرج الواحد، كما يحدث في الباء الخفيفة والباء الثقيلة التي يميزونها بثلاث نقط من تحتها بدلًا من النقطة الواحدة، أو كما يحدث في الفاء ذات النقطة الواحدة والفاء ذات النقط الثلاث، أو كما يحدث في الجيم المعطشة وغيرها. وعلى هذه الصورة تمتاز اللغة العربية بحروف لا توجد في اللغات الأخرى كالضاد والظاء والعين والقاف والحاء والطاء، أو توجد في غيرها أحيانًا ولكنها ملتبسة مترددة لا تُضبط بعلامة واحدة.» (٢)

ليس هناك لبس بين مخارج الحروف في اللغة العربية، ولا إهمال لمخرج منها، ولا تكرار نطق من مخرج واحد. والفصاحة هي امتناع اللبس، وهذه هي الخاصة النطقية التي تحققت في العربية لمخارج الحروف كما تحققت للحروف، فليس في العربية حرف يلتبس بين مخرجين، وليس في النطق العربي مخرج ينطبق فيه حرفان، ليس في العربية حرف يستخدم مخرجين كحرف «بسي» في اليونانية وهو مختلط من الباء الثقيلة والسين، ولا كحرف «تشي» في تلك اللغة وهو خليط من التاء والشين. لا تزدحم أصوات الحروف في العربية على مخرجٍ واحد، كما قلنا، مع ترك مخارج الحلق مهملة،


(١) عباس محمود العقاد: اللغة الشاعرة، منشورات المكتبة العصرية، بيروت - صيدا، بدون تاريخ، ص ١١.
(٢) اللغة الشاعرة، ص ٩ - ١٠.

<<  <   >  >>