للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له المثل بكلمات لا تغيب عن المحامين على التخصيص وهي كلمات «الحبس والحجر والحرج والحد والحساب والحرس» وغيرها من الكلمات التي تناقض معاني السعة بالحس والتفكير.» (١) على أن الأستاذ العقاد ينتهي من هذه المناقشة بقبول مبدأ المحاكاة الصوتية في اللغة العربية بشروط، وبأن العبرة بموقع الحرف من الكلمة لا بمجرد دخوله في تركيبها، وبأن الاستثناء في الدلالة قد يأتي من اختلاف الاعتبار والتقدير، ولا يلزم أن يكون شذوذًا في طبيعة الدلالة الحرفية. وما كان العقاد ليفوِّت فرصةً يبين فيها تميز العربية عن غيرها من اللغات دون أن يفيد منها أقصى فائدة ممكنة.

الحق أن ابن جني لا يدَّعي أن مقارباته المذكورة تشمل اللغة جميعًا (واعلم أنا لا ندعي أن هذا مستمر في جميع اللغة)، (٢) غير أن هذا يعد تقويضًا لفكرة المناسبة بين اللفظ والمعنى، وفكرة العلاقة الطبيعية أو الضرورية بين الدال والمدلول. وإذا كان دأب ابن جني التحرج من التعميم ومن الاندفاع إلى وجهة واحدة من الرأي، فإن من تبعه في تأملاته، ومنهم بعض المحدثين من أهل اللغة، لم يأتموا به في تأنيه وتروِّيه وحصافته العلمية، وأخذَهم التعميمُ المتسرع، وفتَنتهم الأمثلة المؤيدة، فقالوا بمناسبة اللفظ لمعناه ولم يتحرَّزوا من الأمثلة المضادة وهي الأعم والأغلب بما لا يقاس.

[(٤) التعميم المتسرع]

يقول جودور أولبورت: «ما نكاد نتلقى «حَبَّةً» من الوقائع، حتى نشيد منها «قبة» من التعميمات.» ويقول شكسبير في مسرحية «عطيل»: «ولا تشيد صرحًا من الأوهام المزعجة على أساسٍ غير متين من ملاحظاته الناقصة.»

لعل «التعميم المتسرع» Hasty Generalization من أكثر الأغلاط المنطقية شيوعًا؛ فهو يتبطن الكثير من التحيزات العنصرية والنعرات القومية والتعصب الطائفي والأيديولوجي، كذلك يتبطن التعميم المتسرع كثيرًا من الأوصاف النمطية عن الشعوب المختلفة، وعن أهل الأقاليم المحلية، وربما يتبطن كثيرًا من اعتقاداتنا حول أصناف


(١) عباس محمود العقاد: أشتاتٌ مجتمعاتٌ في اللغة والأدب، دار المعارف، القاهرة، ط ٦، ١٩٨٨، ص ٤٣ - ٤٩.
(٢) الخصائص، ج ٢، ١٤٠.

<<  <   >  >>