يقول الأستاذ عباس حسن:«إنَّ علوم العربية على اختلاف فروعها وتعدد أنواعها مستقاة من الكلام العربي الأصيل، ومردُّها جميعًا إلى ما نطق به الفصحاء من أهل الضاد الذين يستشهد بكلامهم ويُحتجُّ بلسانهم. فإذا نطقنا باللفظ المفرد أو المركب، وصغنا الأسلوب صياغة خاصة، وجرينا في تأليفه على نظام معين؛ فلا تعليل لذلك إلا محاكاة العرب والنسج على منوالهم، ولا شيء غير هذا، ولو أن سائلًا سألني: لم بنيت الكلمة على ثلاث أو أكثر؟ ولم ضبطتَ حروفها بضبطٍ خاص؟ ولم جريتَ في تركيب الأسلوب على نظامٍ معين؟ ولم … ولم … ولم؟ ما كان الجواب إلا واحدًا: هو أني في هذا المقام أحاكي ما فعله العرب في مثله، وأنقل عنهم طريقتهم، وآخذ من مادتهم ووسائل استخدامها مثل ما كانوا يأخذون. وكذلك جواب كل فرد؛ فالكلمات التي ننطق بها اليوم من حيث مادة تكوينها ومن حيث مظاهر هيئاتها المتعلقة بوضعها في الجملة وبضبط حروفها، إنما نخضع في شأنها للمأثور عن العرب وحده وليس ثمة ما نخضع له طائعين أو مرغمين إلا ذلك المأثور، وكل إجابة غير هذه فضول وهزل لا صواب فيه ولا جد ولا أمانة.»(١)
والأستاذ عباس حسن، كما هو معروف، حجة في علم النحو، وكتابه «النحو الوافي» هو المرجع الأكبر في هذا العلم، ومن ثم كان لرأيه ثقلٌ خاص في هذا الشأن. يقول الأستاذ عباس حسن: «لمَ رفعتْ أواخر الكلمات؟ لم نصبت أو جُرَّتْ أو جزمت؟ لم كانت على وزن فعل، أو فاعل، أو … أو … ؟ لم تقدمت في أسلوبها أو تأخرت؟ لم ذكرت أو حذفت؟ لم كان هذا التعبير أبلغ وأقوى من ذاك؟ لم كان هذا أرقَّ وأعذب؟ لم … لم … ؟ لا شيء إلا مجاراة العرب الفصحاء، والأخذ بمنهاجهم فيما نحن بصدده، مع التصرف المحمود في حدود ذلك المنهاج، والتزام أصوله العامة بحيث نوائم بينه وبين حرية التصرف المأمونة.
وإذا كان الأمر على ما وصفنا فما هذه العلل والتعليلات المرهقة التي تطفح بها المراجع النحوية، وتضيق بها صدور المعلمين وأوقاتهم ممن كتب الله عليهم الرجوع إلى تلك المطولات لاستخلاص بعض القواعد النحوية؟ إن النظرة العجلى الصائبة لتحكم من غير تردد بأن جميع هذه العلل والتعليلات زائفة لا تمتُّ للعقل بصِلةٍ ولو كانت واهية.
(١) عباس حسن: اللغة والنحو بين القديم والحديث، دار المعارف، القاهرة، ١٩٦٦، ص ١٤٦ - ١٤٧.