للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(٢) ثنائية إفقار لا إثراء]

ازدواجنا اللغوي إذن ليس كغيره من ضروب الازدواج (لغة الكتابة/ لغة الكلام) في اللغات الأخرى، غير أن «ذلك الازدواج لا يعني امتيازًا يتمثل في امتلاك لغتين، بل يعني الافتقار إلى لغةٍ واحدة منسجمة مكتملة الحلقات كلغة، بكل ما تعنيه حالة أمةٍ بلا لغة، أو حالة أمةٍ ذات لغة تعاني من الازدواج والانشطار والتشوه.» (١) «العامية ليست لغةً مكتملة الحلقات كما أن الفصحى ليست لغة مكتملة الحلقات، ذلك أن الفصحى عاجزة منذ قرون وقرون عن الاستمرار كلغة كلام وحياة يومية. وهي بذلك لغةٌ ناقصة، كما أن هذا النقص، هذا الانفصال عن الحياة اليومية، يفقرها ويحرمها من حيوية الحياة ويجرِّدها من القدرة على التعبير عنها بالحيوية المطلوبة … والعامية رغم كل التطور الذي حققته والمكاسب التي أحرزتها تظل محرومة من ثروة خبرات الفصحى في التعبير عن الثقافة العربية، فالفصحى هي حامل هذه الثقافة القومية. وهكذا نجد العامية عاجزة، بحكم عدم الممارسة، وبحكم وقف النمو المفروض عليها، عن أن تكون لغة الفكر والفلسفة والأدب … إلخ، وبهذا يتضح أن الازدواج يعني عدم اكتمال حلقات الحياة اللغوية، وضرب التمكن والإتقان في الصميم، وبالتالي حرمان اللغتين (الفصحى والعامية) من اكتمال صفة الفصاحة الضرورية لكل لغة لتكون لغةً بالمعنى الصحيح والكامل للكلمة.» (٢) وإذا كانت اللغة هي الفكر أو «دالة الفكر» (دي لاكروا)، وإذا كانت كل أمة تتكلم كما تفكر وتفكر كما تتكلم (هردر)، فإن العقل العربي المشطور بين الفصحى والعامية مهدَّد بالتشوش والاضطراب وانعدام الوضوح والدقة.

يستهل الأستاذ أمين الخولي كتابه «مشكلات حياتنا اللغوية» بالحديث عن ظاهرة «الازدواج اللغوي» التي تجعل المجتمعات العربية «تحيا وتشعر وتتعامل وتتواصل بلغة يومية مرنة نامية متطورة مطاوعة، ثم هي تتعلم وتتدين وتحكم بلغةٍ مكتوبة محدودة غير نامية، لا تطوع بها الألسنة، وتتعثر فيها الأقلام، وهذا الازدواج اللغوي القهري يُصدِّع وحدتها الاجتماعية ويفرِّقها طبقات ثقافية وعقلية، وبهذه الوحدة المرضوضة


(١) خليل كلفت: «ظاهرة الازدواج اللغوي في العالم العربي»، في «لغتنا العربية في معركة الحضارة»، قضايا فكرية، إشراف الأستاذ محمود أمين العالم، الكتاب ١٧ و ١٨، القاهرة، ١٩٩٧، ص ١٢٠.
(٢) المصدر نفسه، ص ١١٥.

<<  <   >  >>