للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن احترام ذلك العقل يفرض علينا نبذها وتطهير النحو منها، اللهم إلا من ذلك النوع، الصحيح والصادق الذي يسمونه: «علل التنظير» يريدون به ما أشرنا إليه قبلًا حين ترفع آخر كلمة أو تنصبه أو تجره، وحين تجعل الكلمة على وزنٍ معين، وتسلك به في التركيب مسلكًا خاصًّا، لم رفعتها؟ لأنها نظير زميلتها في كلام العرب، ولم نصبتَها أو جررتَها أو جزمتَها؟ للسبب السالف، ولم جعلتها على وزن كذا؟ ولم قدمتها أو أخرتها؟ لم استخدمتَها أداة استفهام، أو حصر، أو نفي، أو مدح، أو … ؟ … ؟ لأن نظيرتها في كلام العرب كذلك.» (١)

ويرى د. تمام حسان أن استحواذ الفكر الغائي على عقول النحاة هو ما دفعهم إلى انتحال العلل وانتفاخ كتب النحو بلا مبرر، «ولو لجأ النحاة إلى العرف فاعتبروه مصدرًا وحيدًا للغة لما اضطروا إلى انتحال العلل ثم الدفاع عن ذلك الانتحال فيما بعد.» (٢)

وفي كتابه «أصول النحو العربي» يرصد د. محمد عيد تعليلات النحاة ويردها إلى: حكمة الله، ونية العرب، والطبيعة والإحساس، وما نُقل عن العرب: أما حكمة الله في الصيغ وأوضاع الكلام، ونية العرب في النطق، فمما لا يدخل في طوق الباحث؛ لأنها أمور غيبية لا شأن لها باللغة، وأما الطبيعة والإحساس (بالخفة أو الثقل، والأنس بالشيء أو الاستيحاش منه) فمما لا يمكن ضبطه، بل ذلك مما يخضع فحساس النحوي وطبيعته، وأما ما نقل عن العرب (من تعليلات لنطقهم) فهو تعليل ساذج لا يقاس بما صنعه النحاة من غرائب العلل، والحقيقة أن ذلك كله تسويغ لما حدث، وليس حقيقة ما حدث. أما الحقيقة فهي وقوع النحاة في تعليلهم تحت نفوذ التعليل الأرسطي. (٣)

(٥) صراعٌ بين ثقافتين

ويلك يا عمرو؛ إنك أَلْكَنُ الفهم.

أبو عمرو بن العلاء


(١) المرجع السابق، ص ١٤٧ - ١٤٨.
(٢) اللغة بين المعيارية والوصفية، ص ٥٤.
(٣) أصول النحو العربي، ص ١٢٥.

<<  <   >  >>