للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي منهج.» (١) ويرى د. زهران أن اللغويين «كان يجب عليهم بعد الفراغ من دراستهم لتلك المرحلة ألا يدوروا حول أنفسهم فيها، وإنما يدرسوا ويوصوا بمتابعة الدراسات المتعاقبة ويتتبعوا الظواهر المتغيرة في كل أوضاعها على مر العصور وفي مختلف البيئات، فلو أنهم رصدوا حركات التطور لأفادوا اللغة التي حاولوا المحافظة عليها، بالإضافة إلى أنهم كانوا ربما اهتدوا إلى معرفة قوانين التطور وإلى تسخيرها لمصلحة اللغة (غير واقفين في وجه سننها) … وبذلك يكون علاجهم لها علاجًا مبنيًّا على أسسٍ علمية.» (٢)

(٨) إنصاف وتفهُّم

أن تفهم شيئًا لا يعني أن تقرَّه أو تبرره، وأن تفهم شخصًا لا يعني أن تُسوِّغ عمله وتبتلع أخطاءه، بل أن تتمكن من أن تضع نفسك مكانه، وترى الأمور من زاويته، وتدرك العالم من منظوره، أن «تقايضه المواقع في المخيلة» (٣) أو كما يقول الإنجليز «تضع قدمك في حذائه»، أن «تُواجِده» Empathize أي تتمثل وجداناته، وتنفذ إلى خبرته، وتجد ما يجد، «وعسيرٌ بلوغُ هاتيك جدًّا» باستعارة شطر ابن الرومي.

لكي نفهم النحاة ونتفهم موقفهم لا بد لنا من أن نعي قضيتهم الملحَّة وسياقهم التاريخي، لقد عاشوا في زمنٍ لا يسعف بتقنياتٍ ولا بمنهجٍ علمي متطور، وواجهوا، كما يقول الشيخ أمين الخولي، «أزمة اجتماعية لغوية هددت العربية؛ فسارعوا إلى جمعها كما أمكن وكما لم يكن يمكن سواه، بجهدٍ مشكور قدَّره الناقدون قبل تقدمهم بهذا النقد المتبغدد.» (٤) وفي اقتصارهم على قبائل


(١) المرجع السابق، ٦٤.
(٢) المرجع السابق، ص ٥٩ - ٦٠.
(٣) التعبير لآدم سميث.
(٤) الأستاذ أمين الخولي: مشكلات حياتنا اللغوية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٧، ص ٢٠.

<<  <   >  >>