للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الخامس اللغة والمنطق]

هي العرب تقول ما تشاء.

من الطبيعي أن يكون بين اللغة والمنطق تداخلٌ معين ومناطق اهتمامٍ مشترك، فاللغة تعبير عن الفكر، وعليها من ثم أن تراعي مقولاته وتراكيبه، والمنطق بحثٌ في الفكر، وعليه من ثم أن يبحث في أمر التعبير عن هذا الفكر، أي في أمر اللغة، وليس من قبيل المصادفة أن لفظة «منطق» نفسها مشتقة من النطق أو الكلام، بل إن معناها الأصلي بالعربية هو «اللغة» أو «الكلام» {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ}.

يقول التوحيدي في «المُقابسات» على لسان أبي سليمان السجستاني: «النحو منطق عربي، والمنطق نحوٌ عقلي، وجُلُّ نظر المنطقي في المعاني، وإن كان لا يجوز له الإخلال بالألفاظ التي هي لها كالحُلل والمعارض، وجل نظر النحوي في الألفاظ، وإن كان لا يسوغ له الإخلال بالمعاني التي هي لها كالحقائق والجواهر … وكما أن التقصير في تحبير اللفظ ضار ونقص وانحطاط، فكذلك التقصير في تحرير المعنى ضار ونقص وانحطاط … النحو نظرٌ في كلام العرب يعود بتحصيل ما تألفه وتعتاده، أو تفرقه وتعلل منه، أو تفرقه وتخليه، أو تأباه وتذهب عنه وتستغني بغيره … والمنطق آلةٌ بها يقع الفصل والتمييز بين ما يقال: هو حق أو باطل، فيما يُعتقد؛ وبين ما يقال: هو خير أو شر، فيما يُفعل؛ وبين ما يقال: هو صدق أو كذب، فيما يطلق باللسان؛ وبين ما يقال: هو حسن أو قبيح بالفعل … قلت: فهل يعين أحدهما الآخر؟ قال: نعم، وأي معونة، إذا اجتمع المنطق العقلي والمنطق الحسي فهو الغاية والكمال … وبالجملة، النحو يرتب اللفظ ترتيبًا يؤدي إلى الحق المعروف أو إلى العادة الجارية، والمنطق يرتب المعنى ترتيبًا يؤدي إلى الحق المعترف به من غير عادة سابقة، والشهادة في المنطق مأخوذة من العقل، والشهادة في النحو مأخوذة من العُرف، ودليل النحو طباعي، ودليل المنطق

<<  <   >  >>