للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووقوع الصوت في أول الكلمة يجعله كذلك عرضة للانحراف، فمن ذلك ما حدث في بعض المفردات العربية المفتتحة بالهمزة، إذ تحولت همزتها في بعض اللهجات العامة إلى فاء أو واو («أُذن» تحولت في العامة إلى «ودن»، و «أين» إلى «فين» … )، وقد تتبادل الأصوات مواقعها في الكلمة ويحل بعضها محل بعض (النقل المكاني)، مثلما تتحول «أرانب» في العامية المصرية إلى «أنارب» وتتحول «مسرح» إلى «مرسح» … إلخ، وقد تتناوب أصوات اللين (القصيرة كما تتمثل في تناوب الحركات وانحراف أوزان الكلمات في العامية فتتحول «يَعوم» إلى «يِعوم» و «يَضرِب» إلى «يِضرب» و «مُحمد» إلى «مَحمد» … إلخ، والطويلة كما تتمثل في الإمالة في بعض اللهجات … إلخ)، كما تتناسخ الأصوات الساكنة فتتحول الصاد إلى سين («مصير» إلى «مسير»، و «يصدق» إلى «يسدق» … إلخ) واللام إلى ميم («البارحة» إلى «إمبارح») والميم إلى نون («فاطمة» إلى «فاطنة»، وهلم جرًّا). (١)

[ضروب التغير الدلالي]

من الأمثلة النموذجية على التطور الدلالي ما حدث لكلمة «السيد»: فقد كانت هذه اللفظة في البداية هي متضايف Correlative كلمة «عبد»: فالسيد هو من له عبد، أو هو مقابل العبد، ثم تطور استعمال كلمة «السيد» لتدل على صاحب النفوذ والسلطان، ثم استخدمت في الغزل: على سبيل المثال يقول البحتري:

سيدي أنت ما تعرضتُ ظلمًا … لأُجازَى به ولا خنتُ عهدا

ثم أصبحت كلمة «سيد» تعني «الهاشمي»، وهي عند الإخوة الشيعة لقب للمرجع الشيعي العلمي، وفي العصر الحديث، وبعد تقليص الفوارق بين الطبقات وإلغاء الألقاب أصبح الناس جميعًا يلقبون ب «السيد»، وصارت الكلمة لقبًا يسبق الأسماء جميعًا على سبيل الاحترام والتأدب، وقد استجدَّت في الفترة الأخيرة كراهة معينة لاستعمال هذه الكلمة في بعض الأوساط العربية المتحفظة.


(١) فتحي إمبابي: تحرير اللغة، قضايا معاصرة، الكتاب ١٧ - ١٨، ١٩٩٧، ص ٢٨٥.

<<  <   >  >>