للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي فرض اللغويون وجوده وسط الجزيرة العربية لا يختلط بالأعاجم هو الذي قال ب «المَأْسَدة»، (١) وهو في هذا بين أمرين: إما أن سليقته التي تحس بأدق القواعد خانته فاشتق اسم المكان من الجامد، وهذا يقضي على نظرية السماع كلها، وإما أن يكون وجد نفسه في حاجة إلى هذا الشذوذ؛ فوضع كلمةً جديدة تدل على ما يريد ولم يعبأ باشتقاقها. والحاجة التي دفعت العربي إلى صياغة فاسدة أو شاذة ليست أشد من حاجتنا إلى صوغ كلمة تدل على مكان تكثر فيه التحف، وعلى ذلك تكون كلمة متحف بفتح الميم هي الكلمة العربية الصحيحة.»

[تقييم]

إنما هو للجنوح إلى خفة الياء مع أدنى سبب.

ابن جني

يقولون: لا تقل «تقييم» (الثمن، السلعة، العمل … )، وقل «تقويم»، ولا تقل «يقَيِّم» وقل «يُقَوِّم»؛ لأن الفعل واوي، أما كلمة «قيمة» فياؤها منقلبة عن واو، وفي الإعلال أن كل واو تقلب ياءً إذا كانت ساكنة وكُسر ما قبلها.

لا يخفى أن لكلمة «تقويم» معاني كثيرة (تحديد القيمة، التصويب، العقاب، حساب الزمن، مواقع البلدان)، في هذه الحالة من الاشتراك اللفظي يتكفل السياق بتحديد المعنى المقصود بسهولة ووضوح، فيما عدا التفرقة بين التصويب وتحديد القيمة، مثال ذلك: «على المدرس أن يقوِّم أداء الطلاب»، ولا تدري أيحدد مستوى أدائهم أم يصوِّبه ويعدل اعوجاجه، وفي كل سياق تأتي فيه كلمة «تقويم» بمعنى التصويب أو بمعنى تحديد القيمة يلتبس المعنى على المتلقي التباسًا شديدًا بحيث لا يستطيع التيقن من المقصود إلا إذا سأل المتحدثَ نفسه، وجهًا لوجه، عما يعنيه هنا ويقصده. هذا مثال لحالةٍ يكون فيها الصواب الصرفي (أو بالأحرى الاطراد) هو الملتبس والغامض، وهذا شيء مضاد


(١) اوتو يسبرسن: اللغة بين الفرد والمجتمع، ترجمة: عبد الرحمن أيوب، القاهرة، ١٩٥٤، ص ١٥٦.

<<  <   >  >>