للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لطبيعة اللغة وطبيعة الإفصاح. ومن المعروف أن العربي كان يلجأ إلى الشاذ إذا كان فيه الإبانة والخفة، «واللغويون يقبلون الشاذ إذا سُمع عن العرب كما في مادة «الدِّيمة»، ويقولون إن هذا شيء سماعي لا يقاس عليه، ولا يقول أحد بأن كل شاذ يصلح أن يقاس عليه، ولكن الحاجة التي حملت العربي على الشذوذ قد تنشأ في كلمات أخرى، ويكون مباحًا أن نقيس على صيغة شاذة عند الحاجة، والحاجة عندنا إلى كلمة «تقييم» أشد من حاجة العربي إلى أن يقول «ديمت السماء» حيث المعنى لا يختلف عن قوله «دومت السماء»(١)

على الرغم من أن أصل الكلمة هو الواو، إلا أن «العرب ربما قطعوا النظر عن أصل حرف العلة، ونظروا إلى حالته الراهنة، ومن هنا أجاز مجمع اللغة العربية استعمال «قَيَّمَ» بالياء بمعنى حدد القيمة، للتفرقة بينه وبين «قَوَّمَ» الشيء بمعنى عدله، وقد جاءت المعاقبة بين الواو والياء المشددتَيْن في أمثلة من كلام العرب يُستأنس بها في تصحيح ذلك، وقد أوردت المعاجم الحديثة كالوسيط والأساسي والمنجد هذه الكلمة، ونص الوسيط على أنها مجمعية.» (٢)

في «باب في تدريج اللغة» يقول ابن جني في الخصائص: «وذلك أن يُشْبه شيءٌ شيئًا من موضع، فيمضي حكمه على الحكم الأول ثم يرقى منه إلى غيره … ومن ذلك قولهم: صِبية وصِبيان، قلبت الواو من صبوان وصبوة في التقدير - لأنه من صبوت - لانكسار الصاد قبلها، وضعف الباء أن تعتد حاجزًا؛ لسكونها، وقد ذكرنا ذلك، فلما أُلِف هذا واستمر تدرجوا منه إلى أن أقرُّوا قلب الواو ياءً بحاله وإن زالت الكسرة، وذلك قولهم أيضًا: صُبيان وصُبية، وقد كان يجب - لما زالت الكسرة - أن تعود الياء واوً إلى أصلها، لكنهم أقرُّوا الياء بحالها لاعتيادهم إياها حتى صارت كأنها كانت أصلًا، وحسن ذلك لهم شيءٌ آخر، وهو أن القلب في صبية وصبيان إنما كان استحسانًا وإيثارًا، لا عن وجوب علة، ولا قوة قياس، فلما لم تتمكن على القلب ورأوا اللفظ بياء قوي عندهم إقرار


(١) كلمة «تصويب» (وكذلك «تصحيح») من الأضداد! فقد تأتي بمعنى رد الخطأ وبيان الصواب (وهو المعنى الغالب في هذا الفصل)، وقد تأتي، على العكس، بمعنى اعتبار الشيء صحيحًا، وهو ضد «تخطيء» و «تخطئة»، وسنشير إلى هذا المعنى في الحاشية كلما ورد.
(٢) جاء في شرح المفصل: «إذا أرادوا أن يذكروا كثرة حصول شيء بمكانٍ وضعوا لها «مفعلة»، وهذا قياسٌ مطَّرِد في كل اسم ثلاثي، كقولك: أرضٌ مسبعة، كذلك معنبة ومأسدة ومذأبة ومبلحة ومرملة، للأماكن التي يكثر فيه العنب والأُسود والذئاب والبلح والرمل.»

<<  <   >  >>