كتاب اللغة الشاعرة)، وأمكننا أن نحصي أربعة أشطر موزونة جاءت في حديثه النثري اتفاقًا خلال بضعة أسطر!
«وكما جاء في كلام الرسول»(الخفيف).
«ومما يوافق بحر الرمل»(المتقارب).
«مبلغ أوزان العروض العربية»(الرجز).
«من دقة التقسيم والتفصيلِ»(الرجز أو الكامل). (١)
عروض النثر: للعربية عروضها وموسيقاها، حتى في النثر! النثر في العربية «موزون» بمعنًى ما، ويعرف كل ناثر عربي كبير أنه لا يكتب كيفما اتفق، ولكنه يعمد إلى ضربٍ من التحكم النغمي المقصود، وأنه كثيرًا ما يغير مواضع ألفاظه وينتقي مرادفات ويستبعد أخرى تلبيةً لدواعٍ نغمية خالصة، وكثيرًا ما تقلقه عبارات صحيحة من جهة النحو والصرف والمعجم، ولكنه يحسُّ لها نشازًا ما، فهو لا يسيغها صوتيًّا أو لا يستريح لها نغميًّا: لكأن بها «كسرًا» ما في عروض النثر! ولا يزال بها حتى يقوِّم زيغها ويُسْلِس نغمها، عساها أن تقع في سمع القارئ موقعًا حسنًا وتؤتي فيه أثرًا.
[(٧) غياب فعل الكينونة]
لكأن المثالية برُمَّتها حاضرةٌ في هذا الغياب.
في كتاب «الحروف» لاحظ الفارابي أن «فعل الكينونة» To be لا يظهر في اللغة العربية لأن الوجود متضمَّنٌ في الكلام ولا يحتاج إلى إثبات، لكأن الديكارتية، بل المثالية الفلسفية بأسرها متضمنة في هذا الحذف.
وقد يذهب البعض بعيدًا في تفسير تجاهل فعل الكينونة في الجملة الاسمية، ويراه قصورًا ناجمًا عن طبيعة حياة الصحراء الساكنة الساجية الرتيبة، حيث لا شيء هناك وراء الأشياء الواقعية البسيطة المحدودة، ليس ثمة فعلٌ كلي، ليس ثمة فاعلية بشرية حضارية متراكمة، ليس ثمة غير «وعي جماعي لم يتعرف على الأفعال الكبرى الفيزيقية
(١) يوافق هذا الشطر بحر الرجز حين يجيء خاليًا من أي زحاف، ويوافق الكامل حين تأتي جميع تفعيلاته مضمرة (مسكنة الثاني المتحرك)، ولا يحسم الأمر إلا أشطرٌ أخرى.