للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن اللغة العادية، فيقول في الفصل نفسه من المقدمة: «ولا يكفي (في الشعر) ملكة الكلام العربي على الإطلاق، بل يحتاج بخصوصه إلى تلطُّفٍ ومحاولة في رعاية الأساليب التي اختصته العرب بها واستعمالها.» (١)

وبالرغم من أن قدماء اللغويين عرفوا خصوصية نظام الشعر فإنهم تعاملوا مع النثر والشعر على قدم المساواة في تقعيدهم القواعد، وخلطوا بينهما خلطًا أدى إلى «اضطراب مادة اللغة وصفاتها أمامهم، وانعكس تأثير ذلك على دراستهم؛ فالقواعد تتعارض، والآراء تتعدد، والاستدراكات تكثر وتتشعب، وتستند تلك القواعد والآراء والاستدراكات على نصوص من الشعر أو النثر أو لغات القبائل، وليس من حق أحد رفض شيء من ذلك ما دامت مستنداتها من مادة اللغة الموثقة.» (٢) تلك استدراكات وتفريعات «لا يصح أن توصف بها لغةٌ موحدة الخصائص والسمات، تُستخدم بين الناس في التفاهم وتحقيق الصلات الاجتماعية. وهذا التشتُّت المُجهِد يعود في أحد أسبابه إلى ما نحن بصدده من الخلط بين المادة اللغوية التي تختلف كل منها في خصائصها عن الأخرى. والأساس الصحيح الذي كان ينبغي مراعاته هو العرف الاجتماعي واللغوي لكل من الشعر والنثر ولغات القبائل، ولو قد فعلوا ذلك لاستقامت لهم صحة النظرة وسلامة الخطة، ولَخَصُّوا كلًّا من لغة الشعر ولغات القبائل بدراسةٍ مستقلة، ولكانت بعض الجهود الطيبة التي ضمتها موسوعات النحو كافيةً للوصول إلى نتائج أكثر اطرادًا وفائدة، ولبرئت دراستهم من عيوب الخلط في المادة اللغوية واضطراب الآراء حولها.» (٣)

[(١) الشفاهية والشواهد الشعرية]

أن تصوغ الخبرةَ في شكلٍ يمكن تَذَكُّرُه، ذلك مفتاح الثقافة الشفاهية.

تتألف الكلمات في الثقافة الشفاهية (أي التي لم تعرف الكتابة والتدوين) من أصوات، ومن أصوات فقط، ومن شأن ذلك أن يفرض ضوابط على أنماط التعبير والتفكير؛ ذلك


(١) مقدمة ابن خلدون، ص ٤٦٠.
(٢) د. محمد عيد: المستوى اللغوي، ص ١٥٢ - ١٥٣.
(٣) المرجع السابق، ص ١٥٣.

<<  <   >  >>