باستعارة تعبير د. زكي نجيب محمود (في مقامٍ آخر)، و «اكتسب المؤقت والاستثنائي (عندنا) ديمومةً بل شرعية» باستعارة تعبير د. مفيد أبو مراد. يبدو أن في جِبلَّة العقل البشري، بوصفه رهين الثقافة وصنيعتها، أن يعبر «فجوة هيوم» وثبًا؛ فيقفز مما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون، ويميل إلى أن يرى أوضاعه التي نشأ عليها، مهما بلغت من سوءٍ وشذوذ، لا كمجرد أوضاعٍ معطاةٍ «للوصف» و «النقد» و «التغيير»، بل كمقاييس للصواب والسواء والخير و «معايير» للقيمة. هذا ما جعل أستاذًا في الطب مثل د. نادر عبد الدايم يصف دعوة تعريب الطب ب «النكبة» و «الكارثة»، وكأن تسمية «الهارت» ب «القلب» ستصيبه بأزمة، أو أن تسمية «الأَبْدومِن» ب «البطن» ستحول دون فتحه!
الحق أن ما نحن فيه هو النكبة، وليتها نكبةٌ واحدة أو ذات بُعدٍ واحد، ولكنها نكبةٌ تَساقطُ نكباتٍ، نكبة مركبة مطبِقة ذات أبعاد أربعة، ذلك أن التعريب (١)(التعريب بحد ذاته) ضرورةٌ قومية، وضرورة علمية، وضرورة نفسية/ اجتماعية، وضرورة لغوية!
[(١) التعريب ضرورة قومية]
لغة الأمة هي وعيها وضميرها، وكبرياؤها وعرضها، والأمة التي لا تصون لغتها من العبث والتحلُّل لن يبقى لها شيءٌ تصونه.
كان من روابط وحدة اليونانيين في مقاومة الغزاة الفرس أن المجتمع اليوناني بأكمله تربطه صلة الدم الواحد واللسان الواحد.
هيرودوت
من شأن التعريب أن يقوي الشعور بالانتماء والنخوة القومية، ويعزز الثقة بالنفس والاعتزاز بالهوية. يقول د. كمال بشر: «ليس من المقبول شكلًا وموضوعًا أن يظل العلم (أو بعض فروعه) في البلاد العربية أسيرًا للغاتٍ أجنبية تفكيرًا وتناولًا وتحصيلًا حتى هذه اللحظة، ذلك أن إيثار اللغات الأجنبية على لغتنا القومية فيه تقليلٌ لشأنها
(١) للتعريب عدة معانٍ مختلفة، وقد ورد في هذا الفصل بمعنيين أساسيين: (١) التعريب هو التعليم باللغة العربية. (٢) التعريب هو أخذ اللفظ الأجنبي كما هو وإخضاعه، فحسب، للمقتضيات الصوتية والصرفية للغة العربية، والسياق في كل حالة يكفل تحديد المعنى المقصود بوضوحٍ تامٍّ وأمانٍ من اللبس.