للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإضعافٌ لمنزلتها بين الناس، وربما يؤدي ذلك في النهاية إلى خلق جوٍّ علمي ثقافي مضطرب لا هو إلى الأجنبي ينتمي، ولا إلى العروبة ينتسب، وإنما هو جوٌّ فاقد الهوية مشتَّت السمات مشرد القسمات، ليس له حدود ضابطة ولا أصول ثابتة، وهذا هو الضياع القومي والانهيار الفكري الذي ينذر بمحو روح الانتماء التي تُعدُّ اللغة قطبها الذي يتجمع وتتمثل فيه كل القيم والمُثل وأنماط السلوك الفارقة بين قوم وقوم والمميزة لأمة عن أخرى.» (١)

ويقول د. محمود فوزي المناوي: « … وتعليم أجنبي بلغةٍ يزهو بها أصحابها وتزيد من تغريب شبابنا وعدم انتمائه. إن العرب يعيشون الآن مرحلة العولمة وهم يعانون الضعف والوهن الواضح، إننا أمام تحدٍّ خطير، فنحن في الوقت الذي نتطلع فيه إلى المستقبل بأمل المشاركة الفعالة في الحضارة الإنسانية نضع أيدينا على قلوبنا خشية ضياع هويتنا، والخوف كل الخوف من عدم استعمال الأسلوب العلمي في مواجهة العولمة، وأن يكون رد الفعل عندنا يفتقر إلى العقلانية فيتحه إما إلى تطرفٍ يتبنى الثقافة الغربية (التغريب) أو تطرفٍ ينحو نحو الانغلاق ورفض التعامل، وكلاهما كارثتان محققتان.» (٢)

تلك أصداءٌ معاصرة لنذرٍ تاريخيةٍ أقدم: يقول ابن حزم في «الإحكام»: «وأما من تلفتْ دولتهم وغلب عليهم عدوهم، واشتغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم، فمضمونٌ منهم موت الخواطر، وربما كان ذلك سببًا لذهاب لغتهم.» (٣) وفي «المقدمة» يقول ابن خلدون: « … وربما بقيت اللغة العربية المضرية بمصر والشام والأندلس بالمغرب لبقاء الدين طلبًا لها، فانحفظت بعض الشيء، وأما في ممالك العراق وما وراءه فلم يبق له أثرٌ ولا عين، حتى إن كتب العلوم (٤)

مهدَّدون نحن بالذوبان في عصر العولمة إذا لم نُحكِم قبضتنا على جمرة اللغة.


(١) د. كمال بشر: التعريب بين التفكير والتعبير، مجلة مجمع اللغة العربية، ج ٧٨، القاهرة، نوفمبر ١٩٩٥.
(٢) أزمة التعريب، ص ٤٨.
(٣) ابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام، مطبعة الإمام، مصر، ج ١، ص ٣١.
(٤) يعني علوم الدين.

<<  <   >  >>