للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي يريدون إضفاءه على الكلم الأجنبية؟! لقد كان القوم أيقاظًا لما يفعلون، وقد بينوه وأوضحوه بمثل ما قال ابني جني في الخصائص عن ترك الأخذ عن أهل المدر كما أخذ عن أهل الوبر، (١) وزاده إيضاحًا بقوله في موضعٍ آخر من كتابه هذا: إن أهل الحضر يتظاهرون بينهم بأنهم تركوا وخالفوا كلام من ينتسب إلى العربية الفصيحة، فهم يخلون بالفصيحة عن قصد وعمد، ومع مثل هذه الحال لا يعمد القاصدون للظفر بجوهر العربية إلى مواطن الحضارة الواسعة، الرقيقة العبارة، ليأخذوا عنها العربية!» (٢)

أما مشكلة الثقة بالرواية اللغوية فيرى الأستاذ أمين الخولي أن الأقدمين عرضوا لها على نحوٍ أدقَّ وأوضحَ مما فعل المحدثون، وأفاضوا فيها، وتولوا الإجابة عن كل دقائقها وتفريعاتها، فنجد السيوطي يعقد لها فصولًا في «المزهر»: كفصل معرفة ما روي من اللغة ولم يصح ولم يثبت، وفصل معرفة المصنوع، وفصل معرفة الضعيف والمنكر والمتروك من اللغات، وكلها في الجزء الأول، ثم فصل معرفة آداب اللغوي، وفصل من سُئل من علماء العربية عن شيء فقال لا أدري، وفصل التحري في الرواية، والفرق بين مثله ونحوه، وفصل في كيفية العمل عند اختلاف الرواة، وفصول أخرى تتصل بالرواية اللغوية وضبطها، تقرؤها في الجزء الثاني من المزهر أيضًا، «ولا معنى بعد ذلك لإيراد النقد مبتورًا، والاحتجاج به إيرادًا واستشكالًا، مع تجاهل نفضه وإبطاله، والتغافل عما هناك من الدلالة المسهبة على التحري الممكن في الرواية.» (٣).

[(٩) خلاصة القصة]

يرى الأستاذ أمين الخولي أن «هذه اللغة العربية لم نتلقها التلقي المباشر

المشافه الممارس، كما يتلقى الوارث الرشيد تركةً من سلفه، كان قد شاركه في التدبير لها والخبرة بها، بل تلقيناها تلقيًا غير مباشر ولا مشافه ولا ممارس، كما يتلقى الوارث المحجور الصغير السن تركةً من سلفٍ له، ما شاركه قبل في أمرها ولا اكتسب شيئًا من الخبرة بها قبل الانفراد؛


(١) أمين الخولي: مشكلات حياتنا اللغوية، ص ٢١ - ٢٢.
(٢) عرضنا لهذا القول لابن جني في موضعٍ سابق من هذا الفصل.
(٣) أمين الخولي: مشكلات حياتنا اللغوية، ص ٢٢.

<<  <   >  >>