ومن جانبٍ آخر فإن اكتساب المتخصصين لمعارفهم بلغاتٍ أجنبية دون رابط من اللغة الأم، يجعل من الصعوبة بمكان إقامة حوار بينهم، وهو الوضع الذي يتناقض في جوهره مع تزايد النزعة الاندماجية لفروع العلوم المختلفة وانهيار كثير من الحواجز المنهجية التي تفصل بينها (وميلاد الكثير من الأفرع التكاملية البينية Interdisciplinary وتزايد أهميتها)، وهو ما أدى بدوره إلى الانتقال من تربية قائمة على التخصص الضيق إلى تربية تسعى إلى تنوع المعارف والمهارات. وقد جاء في تقرير التنمية البشرية لعام ٢٠٠٣ أن قضية تعريب التعليم العالي لم تعد قضية قومية فقط، وإنما باتت شرطًا أساسيًّا لتنمية أدوات التفكير وتنمية القدرات الذهنية والملكات الإبداعية، فضلًا عن استيعاب المعرفة المتسارعة المتجددة؛ لذا فإن عدم التسارع في تعريب العلوم يمثل عقبة أساسية في طريق إقامة جسور التواصل بين التخصصات العلمية المختلفة، ذلك أن اللغة هي «رابطة العقد» في منظومة المعرفة الإنسانية.
وكما تكون اللغة واسطة العقد أفقيًّا بين التخصصات المختلفة، فإنها واسطة العقد بين مختلف المستويات العاملة في التخصص الواحد: بين العامل والفني والتكنولوجي والمهندس، أو بين الفنيين الصحيين والممرضين والأطباء … إلخ.
[(٢ - ٤) المصطلحات ليست مشكلة]
«ينغلق المصطلح على حاله ويتدرَّع بأقواسه؛ لكي يضمن ثباته في كل سياق، ويتفادى ما في اللغة الطبيعية من غموضٍ وتلونٍ وتحولٍ وسيولة.»
الانفجار المعرفي إذن هو شيءٌ أدعى إلى التعريب، يعزز من ذلك أن المصطلحات العلمية ليست هي المشكلة، فالمصطلحات هي:
قوالب لفظية متواضَع عليها لكي تستوعب معاني محددة.
تنحو إلى التركيز والترميز لا إلى الحشو والإطناب المضادين للغة العلوم.
نوعية في دقتها وترميزها، أي من طراز رياضي.
تواضعية صرف، للعلماء كامل الحرية في وضعها.
لا يعدو المصطلح أن يكون عنوانًا أو رمزًا لفكرةٍ شاملة أو صورةٍ مملوءة بالتفاصيل التي لا يعبر عنها المعنى الحرفي إلا لمامًا، وقد يتجاوز المصطلح