للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينبغي علينا أن نضع حركة التعريب المعاصرة في إطارها الخاص، ونتنبه إلى الظروف المميزة التي تتسم بها هذه الحركة، والتي تضع عقباتٍ كأْداءَ أمام تحقق الهدف المنشود للتعريب، وأعني به خلق ثقافة قومية أصيلة.» (١)

ليس من الحكمة أن نستهين بهذه المحاذير، ومن الحصافة أن نأخذها بعين الاعتبار وأن نتركها تتفاعل جدليًّا مع دعوى التعريب، فنخلص إلى جماع رأي أقرب إلى الرشد بسطه د. محمود محفوظ حين ألحَّ على ضرورة إتقان اللغة الأجنبية و «التعلم» بها. يقول د. محفوظ: إن العلوم ثابتة الأصل تنتقل بلغة ناقلها ومستخدمها؛ فالطب في الصين باللغة الصينية وفي ألمانيا بالألمانية وفي فرنسا بالفرنسية، وهذا ما يعرف ب «التعليم»، إنما التقدم العلمي هو الذي يتطلب القدرة والتمكن من لغة أجنبية شائعة في ربوع المعرفة العلمية، فكما كانت العربية هي الشائعة في العصر الوسيط، واللاتينية في عصر النهضة، فإن الإنجليزية هي الشائعة في عالمنا المعاصر، وعن طريق التمكن من اللغة الأجنبية تأتي القدرة على استيعاب المعرفة والمعلومات، وسرعة نقلها من اللغة الأجنبية إلى اللغة الوطنية، وهو ما يعرف ب «التعلم». على ذلك يكون «التعليم» باللغة الأم، وأما «التعلم» والتقدم العلمي والتكنولوجي فيكون بالتمكن من اللغة الأجنبية نطقًا وكتابةً؛ لأن الاطلاع على المراجع الأجنبية لا يتحقق بغيرها. (٢)

ومن الحجج الرئيسية التي يستند إليها مناهضو التعريب ضخامة المادة العلمية الوافدة، والانفجار المعرفي، وسرعة تدفق المعلومات العلمية الجديدة وغزارتها، بحيث تجعل من المستحيل ملاحقتها واستيعابها باللغة الأم. والحق أن مقدمة (Premise) هؤلاء، على صدقها، لا تفضي إلى النتيجة Conclusion التي خلصوا إليها، وربما كان العكس أقرب إلى الصواب! يقول د. نبيل علي، خبير المعلوماتية، «تزداد أهمية تعريب العلوم مع تضخم المادة العلمية، حيث تساعد اللغة الأم على زيادة معدل الاستيعاب ورسوخ المفاهيم.» (٣) (بشرط تنشيط الترجمة بجميع مستوياتها وطرائقها).


(١) المصدر نفسه، ص ٩٧.
(٢) د. عبد الحافظ حلمي محمد: الإسلام واللغة العربية والعلم، مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الدورة الثالثة والستون، ٢٢ مارس ١٩٩٧.
(٣) د. فؤاد زكريا: خطاب إلى العقل العربي، مكتبة مصر، القاهرة، ١٩٩٠، ص ٢٨ - ٣٢.

<<  <   >  >>