القوم شَذَرَ مَذَر. «إن اللغة لفي سيرورة دائمة وتحوِّل دائب، وهناك ألف سببٍ يلحُّ على الألفاظ أن تخرج من جلدها وتكتسي معاني جديدة غير ذات صلةٍ بمعناها القديم، وما دامت اللغة في تغيرٍ مستمر فمن الطبيعي أن تواكبها في ذلك علوم اللغة المنوط بها رصد الظاهرة اللغوية وضبط حركتها، وأن يكون نهج العلوم اللغوية توترًا محسوبًا بين «المعيارية» و «الوصفية»: معيارية تحفظ اللغة من التحلل والانهيار، ووصفية تفتح له آفاقًا للتطور والارتقاء.» (١)
[(٧) هل العربية لغة صعبة؟]
لعل السؤال الصحيح في هذا المقام هو: هل هي صعوبة مجانية؟ صعوبةٌ بلا مقابل؟! الحق أنها إن كانت صعبةً فإنما هي الصعوبة الناشئة عن الثراء كما يقول د. مفيد أبو مراد، «والواقع أن العربية غنية جدًّا بفضل مؤهلاتٍ للغنى اللامحدود، أشهرها أربعة:
(أ) الغنى الاشتقاقي … حتى إن المادة اللغوية الواحدة (الجذر الثلاثي) يمكن أن يتولد منها عشراتٌ بل مئات من المشتقات، التي لا يستعمل منها إلا جزءٌ قليل، فهي أشبه برصيدٍ مصرفي مفتوح، لك أن تبقيه على حاله الأصلي، أو أن تسحب منه ما تشاء، مستخدمًا وسائل متنوعة وأساليب عديدة للتنفيذ أو للإعمال. (ب) الغنى الجغرافي أو الأفقي، وينجم من تأثر اللسان بالبيئتين الطبيعية والاجتماعية، ونظرًا لاتساع رقعة الناطقين بالعربية، والمتعاملين بها من مسلمين أعاجم ومستعربين غير مسلمين، فمن الطبيعي أن تتنوع أساليب النطق، والتراكيب التعبيرية، والاصطلاحات … إلخ. (ج) الغنى التاريخي أو العمودي الناجم من تعاقب الاستعمالات والحضارات والمؤثرات. (د) الغنى الاقتباسي، بحيث يمكن توظيف ألفاظٍ عربية لتأدية معنًى مضاف كالملاءة المصرفية، والبرق، والتحويلات … أو إدخال ألفاظ أعجمية، تُعرَّب فتجري مجرى المادة اللغوية العربية، كالفلسفة والفلم والفردوس والكلية والهدرجة والأكسدة … إلخ، ومن الطبيعي أن يتعذر على طالب العربية أن يحيط بجماع هذه الثروة اللسانية المعجزة، ولكن أليس من الطبيعي أيضًا أن يقصر الطالب همه اللساني على ما يعنيه من أمر اللغة،
(١) عادل مصطفى: «مغالطة التأثيل»، في كتاب «المغالطات المنطقية»، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ٢٠٠٧، ص ٢٣٧.