للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(ب) التضييق (التخصيص) Narrowing]

وهو تقلص نطاق المعنى واقتصاره على شيء بعينه من بين الأشياء التي كان يشملها في الماضي، وذلك نتيجة إضافة بعض الملامح التمييزية أو المكونات الدلالية للفظ، فكلما زادت المكونات الدلالية لشيء قل عدد أفراده (كلما ضاق المفهوم قل الماصدق). والتضييق هو التغير الدلالي الأغلب في اللغة، يقول السيوطي في «الإتقان»: «ما من عامٍّ إلا ويتخيل فيه التخصيص.» ويقول د. إبراهيم أنيس: «يرجع ذلك إلى أن الناس في حياتهم العادية يكتفون بأقل قدرٍ ممكن من دقة الدلالات وتحديدها، ويقنعون في فهم الدلالات بالقدر التقريبي الذي يحقق هدفهم من الكلام والتخاطب.» (١) ويقول د. علي عبد الواحد وافي: «وكثرة استخدام الكلمة في مدلول ما؛ لحدوث ما يدعو إلى ذلك في شئون الحياة الاجتماعية وما يتصل بها، يجردها - مع تقادم العهد - من مدلولها الأصلي، ويقصرها على الناحية التي كثر فيها استخدامها، فكثرة استخدام العام مثلًا في بعض ما يدل عليه، لسبب اجتماعي ما، يزيل مع تقادم العهد عموم معناه، ويقصر مدلوله على الحالات التي شاع فيها استعماله، ولدينا في اللغة العربية وحدها آلاف من أمثلة هذا النوع، فمن ذلك جميع المفردات التي كانت عامة المدلول ثم شاع استعمالها في الإسلام في معانٍ خاصة تتعلق بالعقائد أو الشعائر أو النظم الدينية: كالصلاة والحج والصوم والمؤمن والكافر والمنافق والركوع والسجود … وهلم جرًّا. فالصلاة مثلًا معناها في الأصل الدعاء (وقد جاء على الأصل قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ})، ثم شاع استعمالها في الإسلام في العبادة المعروفة لاشتمالها على مظهر من مظاهر الدعاء، حتى أصبحت لا تنصرف عن إطلاقها إلى غير هذا المعنى، والحج معناه في الأصل قصد الشيء والاتجاه إليه، ثم شاع استعماله في قصد البيت الحرام، حتى أصبح مدلوله الحقيقي مقصورًا على هذه الشعيرة.» (٢)


(١) المرجع نفسه، ص ٩٩ - ١٠٣.
(٢) د. مجدي إبراهيم محمد إبراهيم: بحوث ودراسات في علم اللغة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ٢٠٠٤، ص ٢١٣ - ٢١٥.

<<  <   >  >>