للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(٥ - ٣) في مجال التعليم باللغة]

«لا توجد لغة يمكن أن تُتهَم - في ذاتها - بالقصور أو العجز؛ لأن أي لغة، على حد تعبير هلمسليف، «تملك القوة الكامنة للتعبير عن الحاجات الضرورية لأي حضارة … بمعنى أنه لا توجد لغة يمكن أن يقال عنها إنها بدائية، أو إنها ناقصة التكوين.» (١)

وليس هناك معنًى لأن نقول: إن العربية عاجزة عن نقل العلوم بينما نحن لا نستخدمها في نقل العلوم! فاللغة لا تنمو في فراغ، وإنما تنمو نتيجة نمو أصحابها، وتزداد ثروتها اللغوية بازدياد خبرات أهلها وتجاربهم، والدراسة النظرية وحدها لا تخلق لغة، وإنما يخلقها الاستخدام والممارسة، وربطها باحتياجات أهلها وخبراتهم وحياتهم العلمية واليومية.» (٢)

وقد أثبتت العربية قديمًا، وهي قريبة عهد بالبداوة وحياة الصحراء، قدرتها الهائلة على نقل العلوم والفلسفات وهضمها والإضافة إليها، وكم بالحري أن تكون قادرة اليوم على نقل العلوم بعد كل ما اكتسبته واختزنته، والعود أحمد.

[(٦) الفرصة السانحة]

مما يدعو للاستبشار ويجعل الإصلاح المنشود أمرًا ممكنًا أننا في كدحنا الإصلاحي المقترح إنما تُظاهرُنا قوةٌ عارمة لم تكن تخطر ببال أحد من السلف: العولمة، وقوى العولمة وبخاصة وسائط الاتصال. من شأن هذا الاندماج الجديد أن يعكس السنن القديمة للتطور اللغوي! فلم تعد هناك «عزلة» تسبب انشعاب اللغة إلى لهجات ثم تبلور اللهجات إلى لغات منفصلة. تؤدي قوى العولمة على العكس إلى تقريب اللهجات ثم توحيدها في النهاية، ويبقى أن نُسخِّر ذلك لخدمة فصحى جديدة تنشرها الفضائيات وتلقيها على سمع الناس بكرةً وعشيًّا، فصحى قريبة من عقول الناس وقلوبهم، ومعايشة لعصرهم وجيلهم، ومترجمة لشئونهم وشجونهم، فصحى تسترفد العامية والأجنبية ولا تنفصل عنهما تمام الانفصال، فصحى يستعرب فيها كل جديدٍ ابتلعته وهضمته وأحالته إلى


(١) إحياء العبرية، في مقال د. أحمد مختار عمر «أزمة اللغة العربية المعاصرة»، مصدر سابق، ص ٦٨.
(٢) المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

<<  <   >  >>